لَا تُبَاعُ بِسِلْعَتِهِ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ عُرْفِيٍّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَبِيعُ سِلْعَتَهُ لِيَمْلِكَ ثَمَنَهَا، وَالْبَيْعُ لِمِلْكِ الثَّمَنِ مَقْصُودٌ مَشْرُوعٌ، ثُمَّ يَبْتَاعُ بِالثَّمَنِ سِلْعَةً أُخْرَى، وَابْتِيَاعُ السِّلَعِ بِالْأَثْمَانِ مَقْصُودٌ مَشْرُوعٌ.
وَهَذِهِ قِصَّةُ بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِخَيْبَرَ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ فَقَدْ أَرَادَ بِالْبَيْعِ مِلْكَ الثَّمَنِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ مَقْصُودٌ، ثُمَّ إذَا ابْتَاعَ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا فَقَدْ أَرَادَ بِالِابْتِيَاعِ مِلْكَ سِلْعَةٍ وَهَذَا مَقْصُودٌ مَشْرُوعٌ، فَلَمَّا كَانَ بَائِعًا قَصَدَ مِلْكَ الثَّمَنِ حَقِيقَةً، وَلَمَّا كَانَ مُبْتَاعًا قَصَدَ مِلْكَ السِّلْعَةِ حَقِيقَةً، فَإِنْ ابْتَاعَ بِالثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ مَقْصُودٌ مَشْرُوعٌ.
وَلِهَذَا يَسْتَوْفِيَانِ حُكْمَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّقْدِ وَالْقَبْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ ابْتَاعَ بِالثَّمَنِ مِمَّنْ ابْتَاعَهُ مِنْ جِنْسِ مَا بَاعَهُ فَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ مَقْصُودًا مِنْهُمَا بَلْ قَصْدُهُمَا بَيْعُ السِّلْعَةِ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ فَيَكُونُ رِبًا، وَيَظْهَرُ هَذَا الْقَصْدُ بِأَنْ يَكُونَ إذَا بَاعَهُ التَّمْرَ مَثَلًا بِدَرَاهِمَ لَمْ يُحَرِّرْ وَزْنَهَا وَلَا نَقْدَهَا وَلَا قَبْضَهَا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِلْكَ الْمُثَمَّنِ بِذَلِكَ التَّمْرِ وَلَا قَصَدَ الْمُشْتَرِي تَمَلُّكَ التَّمْرِ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ بَلْ عَقَدَ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنْ يُعِيدَ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ التَّمْرَ الْآخَرَ وَهَذَا تَوَاطُؤٌ مِنْهُمَا حِينَ عَقْدِهِ عَلَى فَسْخِهِ، وَالْعَقْدُ إذَا قَصَدَ بِهِ فَسْخَهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مَقْصُودًا كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَيَكُونَانِ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبْتَاعَا بِالتَّمْرِ تَمْرًا.
يُحَقِّقُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْعَقْدُ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا جَاءَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ حِنْطَةٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ لِيَبْتَاعَ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّهُمَا غَالِبًا يَتَشَارَطَانِ وَيَتَرَاضَيَانِ عَلَى سِعْرِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: بِعْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا، ثُمَّ يَقُولُ: اصْرِفْ لِي بِهَا كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَيَقُولُ: بِعْتُك هَذَا التَّمْرَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. ثُمَّ يَقُولُ: بِعْنِي بِهِ كَذَا وَكَذَا تَمْرًا فَيَكُونَانِ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ صُورَةً لَا حَقِيقَةً لَيْسَ لِلْبَائِعِ غَرَضٌ فِي أَنْ يَمْلِكَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي غَرَضٌ أَنْ يَمْلِكَهُ وَقَدْ تَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يَمْلِكَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ يُعِيدَهُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَالْعَقْدُ لَا يُعْقَدُ لِيُفْسَخَ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ وُجُودِهِ. فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، فَأَيْنَ مَنْ يَبِيعُهُ بِثَمَنٍ لِيَشْتَرِيَ بِهِ مِنْهُ إلَى مَنْ يَبِيعُهُ بِثَمَنٍ لِيَأْخُذَ مِنْهُ.
يُوَضِّحُ هَذَا أَشْيَاءُ: مِنْهَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِثَمَنٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute