بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَقَدْ لَا يَظْهَرُ وَإِذَا كَانَ الْمُعَرِّضُ إنَّمَا يَقْصِدُ بِاللَّفْظِ مَا جُعِلَ اللَّفْظُ دَلَالَةً عَلَيْهِ وَمُبَيِّنًا لَهُ فِي الْجُمْلَةِ لَمْ يَشْتَبِهْ هَذَا إنْ قَصَدَ بِالْعَقْدِ مَا لَمْ يَحْمِلْ الْعَقْدُ مُقْتَضِيًا لَهُ أَصْلًا. فَإِنَّ لَفْظَ أَنْكَحْت وَزَوَّجْت لَمْ يَضَعْهُ الشَّارِعُ بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ قَطُّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَظْهَرَهُ لَمْ يَصِحَّ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صَلَاحِ اللَّفْظِ لَهُ إخْبَارُ صَلَاحِهِ لَهُ إنْشَاءً، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الْمَعَارِيضِ: تَزَوَّجْت وَعَنَى نِكَاحًا فَاسِدًا، جَازَ كَمَا لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ فِي الْعَقْدِ: تَزَوَّجْت نِكَاحًا فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ إذَا نَوَاهُ.
وَكَذَلِكَ فِي الرِّبَا، فَإِنَّ الْقَرْضَ لَمْ يَشْرَعْهُ الشَّارِعُ إلَّا لِمَنْ قَصَدَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ مِثْلَ قَرْضِهِ فَقَطْ وَلَمْ يُبِحْهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِفْضَالَ قَطُّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، فَإِذَا أَقْرَضَهُ أَلْفًا لِيَبِيعَهُ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِأَلْفٍ أُخْرَى أَوْ لِيُحَابِيَهُ الْمُقْتَرِضُ فِي بَيْعٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ لِيُعِيرَهُ، أَوْ يَهَبَهُ، فَقَدْ قَصَدَ بِالْعَقْدِ مَا لَمْ يَجْعَلْ الْعَقْدَ مُقْتَضِيًا لَهُ قَطُّ، وَإِذَا كَانَ الْمُعَرِّضُ قَصَدَ بِالْقَوْلِ مَا يَحْتَمِلُهُ الْقَوْلُ أَوْ يَقْتَضِيهِ وَالْمُحْتَالُ قَصَدَ بِالْقَوْلِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ الْقَوْلُ وَلَا يَقْتَضِيهِ فَكَيْفَ يُقَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ؛ وَإِنَّمَا نَظِيرُ الْمُحْتَالِ الْمُنَافِقُ، فَإِنَّهُ قَصَدَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ - فَالْحِيلَةُ كَذِبٌ فِي الْإِنْشَاءِ كَالْكَذِبِ فِي الْإِخْبَارِ، وَالتَّعْرِيضُ لَيْسَ كَذِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِنَايَةِ وَحَسْبُكَ أَنَّ الْمُعَرِّضَ قَصَدَ مَعْنًى حَقًّا بِنِيَّتِهِ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُهُ فِي الْوَضْعِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ، وَالْمُحْتَالُ قَصَدَ مَعْنًى مُحَرَّمًا بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُهُ فِي الْوَضْعِ الَّذِي بِهِ التَّعَاقُدُ.
فَإِذَا تَبَيَّنَ الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ لِلْعَرْضِ بِهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ التَّعْرِيضُ لِأَجْلِهِ لَمْ يَصِحَّ إلْحَاقُ الْحِيَلِ بِهِ.
وَهُنَا فَرْقٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُعَرِّضُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَبْطَلَ بِالتَّعْرِيضِ حَقًّا لِلَّهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ، فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَلَمْ يُبْطِلْ حَقًّا لَهُ، لِأَنَّهُ إذَا نَاجَى رَبَّهُ سُبْحَانَهُ بِكَلَامٍ وَعَنَى بِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْمَعَانِي الْحِسِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ مَلُومًا فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَفْهَمُونَ مِنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ وَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ إلَّا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ إسْقَاطَ حَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ تَضَمَّنَ إسْقَاطَ حَقِّهِ حَرُمَ بِالْإِجْمَاعِ.
فَثَبَتَ أَنَّ التَّعْرِيضَ الْمُبَاحَ لَيْسَ مِنْ الْمُخَادَعَةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ مُخَادَعَةٌ لِمَخْلُوقٍ أَبَاحَ الشَّارِعُ مُخَادَعَتَهُ لِظُلْمِهِ جَزَاءً لَهُ عَلَى ذَلِكَ - وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute