وَإِنْ أَفْضَى إلَى اعْتِقَادٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ فِي شَيْءٍ سَوَاءٌ عَرَفَهُ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَالْمَقْصُودُ بِالْمَعَارِيضِ فِعْلٌ وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ مُبَاحٌ أَبَاحَ الشَّارِعُ السَّعْيَ فِي حُصُولِهِ، وَنَصَبَ سَبَبًا يُفْضِي إلَيْهِ أَصْلًا وَقَصْدًا، فَإِنَّ الضَّرَرَ قَدْ يُشْرَعُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْصِدَ دَفْعَهُ، وَيَتَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَضَمَّنْ الشَّرْعُ النَّهْيَ عَنْ دَفْعِ الضَّرَرِ، فَلَا يُقَاسُ بِهَذَا إذَا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ سُقُوطَ مَا نَصَّ الشَّارِعُ وُجُوبَهُ وَتَوَجَّهَ وُجُوبُهُ كَالزَّكَاةِ وَالشُّفْعَةِ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِمَا، أَوْ حِلَّ مَا قَصَدَ الشَّارِعُ تَحْرِيمَهُ وَتَوَجَّهَ تَحْرِيمُهُ مِنْ الزِّنَا وَالْمُطَلَّقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الْوُجُوبِ هُنَا تَفْوِيتٌ وَمَفْسَدَةُ التَّحْرِيمِ بَاقِيَةٌ وَالْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أَوْجَبَ الشَّارِعُ مَوْجُودٌ مَعَ فَوَاتِ الْوُجُوبِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ حَرَّمَ مَوْجُودٌ مَعَ فَوَاتِ التَّحْرِيمِ إذَا قَصَدَ الِاحْتِيَالَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُنَاكَ رَفْعُ الضَّرَرِ مَعْنًى قَصَدَ الشَّارِعُ حُصُولَهُ لِلْعَبْدِ وَفَتَحَ لَهُ بَابَهُ، فَهَذَا مِنْ جِهَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُحْتَالِ بِهِ فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ إنَّمَا تَكَلَّمَ بِحَقٍّ وَنَطَقَ بِصِدْقٍ فِيمَا بَيَّنَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا سِيَّمَا إنْ لَمْ يَنْوِ بِاللَّفْظِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الظُّهُورُ مِنْ ضَعْفِ فَهْمِ السَّامِعِ وَقُصُورِهِ فِي مَعْرِفَةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَمَعَارِيضُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِزَاحُهُ عَامَّتُهُ كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِثْلُ قَوْلِهِ: «نَحْنُ مِنْ مَاءٍ» ، وَقَوْلِهِ: «إنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» «وَزَوْجُك الَّذِي فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ» ، «وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ» .
وَأَكْثَرُ مَعَارِيضِ السَّلَفِ كَانَتْ مِنْ هَذَا - وَمِنْ هَذَا الْبَابِ التَّدْلِيسُ فِي الْإِسْنَادِ لَكِنَّ هَذَا كَانَ مَكْرُوهًا لِتَعَلُّقِهِ بِأَمْرِ الدِّينِ وَكَوْنِ بَيَانِ الْعِلْمِ وَاجِبًا. بِخِلَافِ مَا قَصَدَ بِهِ دَفْعَ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ - وَلَمْ يَكُنْ فِي مَعَارِيضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْوِيَ بِالْعَامِّ الْخَاصَّ وَبِالْحَقِيقَةِ الْمَجَازَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا إذَا عَرَّضَ بِهِ الْمُعَرِّضُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُدُودِ الْكَلَامِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَالْمُفْرَدُ وَالْمُشْتَرَكُ وَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَتَخْتَلِفُ دَلَالِيَّتُهُ تَارَةً بِحَسَبِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ، وَتَارَةً بِحَسَبِ التَّأْلِيفِ، وَكَثِيرٌ مِنْ وُجُوهِ اخْتِلَافِهِ قَدْ لَا يَبِينُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، بَلْ يُرَاجَعُ فِيهِ إلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ، وَقَدْ يَظْهَرُ قَصْدُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute