للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلْيَنْظُرْ هَلْ أَصَابَهُمْ هَذَا التَّخَبُّطُ الَّذِي هُوَ كَمَسِّ الشَّيْطَانِ بِمُجَرَّدِ أَكْلِهِمْ السُّحْتَ أَمْ بِقَبُولِهِمْ الْإِثْمَ مَعَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُمْ إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا فَمَنْ كَانَ هَذَا الْقِيَاسُ عِنْدَهُ مُتَوَجَّهًا، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ سَمْعًا وَطَوْعًا أَلَمْ يَكُنْ هَذَا دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ رَأْيِهِ وَنَقْصِ عَقْلِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ فِقْهِ الدِّينِ.

نَعَمْ مَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصْلُحَ الْإِجَارَةُ، لِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْدُومٍ وَلَمْ يَهْتَدِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ بَيْعِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُوجَدُ وَبَيْعِ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَا يَتَأَتَّى وُجُودُهَا مُجْتَمِعَةً وَلَا يُمْكِنُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إلَّا مَعْدُومَةً وَلَوْ عَارَضَهُ مَنْ قَالَ: الْقِيَاسُ صِحَّةُ بَيْعِ الْمَعْدُومِ قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا فَرْقٌ.

وَكَذَلِكَ يَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَصْلُحَ الْحَوَالَةُ لِأَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَأَنْ لَا يَصِحَّ الْقَرْضُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ، لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ عَيْنٍ رِبَوِيَّةٍ بِدَيْنٍ مِنْ جِنْسِهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ إذَا عَارَضَهُ نَصٌّ ظَاهِرٌ أَمْكَنَ تَرْكُهُ عِنْدَ مُعْتَقِدِ صِحَّتِهِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَرَ نَصًّا يُعَارِضُهُ فَإِنَّهُ يَجُرُّ إلَى أَقْوَالٍ عَجِيبَةٍ تُخَالِفُ سُنَّةً لَمْ تَبْلُغْهُ، أَوْ لَمْ يَتَفَطَّنْ لِمُخَالَفَتِهَا، مَثَلُ قِيَاسِ مَنْ قَاسَ الْمُعَامَلَةَ بِجُزْءٍ مِنْ النَّمَاءِ عَلَى الْإِجَارَةِ مَعَ الْفُرُوقِ الْمُؤَثِّرَةِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَقِيَاسِ مَنْ قَاسَ الْقِسْمَةَ عَلَى الْبَيْعِ وَجَعَلَهَا نَوْعًا مِنْهُ حَتَّى أَثْبَتَ لَهَا خَصَائِصَ الْبَيْعِ لِمَا فِيهَا مِنْ ثُبُوتِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْتَزَمَ أَنْ لَا يَقْسِمَ الثِّمَارَ خَرْصًا كَمَا لَا تُبَاعُ خَرْصًا فَخَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُقَاسَمَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ الثِّمَارَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَلَى النَّخْلِ خَرْصًا، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْهُ، لَكِنَّهُ أَقْبَحُ وَأَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى فَقِيهٍ، كَمَا خَفِيَ الْأَوَّلُ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.

وَاَلَّذِي قِيسَتْ عَلَيْهِ الْحِيَلُ الْمُحَرَّمَةُ وَلَيْسَ مِثْلَهُ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْمَعَارِيضُ وَهِيَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِكَلَامٍ جَائِزٍ يَقْصِدُ بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا وَيَتَوَهَّمُ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَعْنًى آخَرَ، وَيَكُونُ سَبَبُ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ كَوْنَ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ لُغَوِيَّتَيْنِ أَوْ عُرْفِيَّتَيْنِ، أَوْ شَرْعِيَّتَيْنِ، أَوْ لُغَوِيَّةٍ مَعَ أَحَدِهِمَا، أَوْ عُرْفِيَّةٍ مَعَ شَرْعِيَّةٍ فَيَعْنِي أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ وَيَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى الْآخَرَ لِكَوْنِ دَلَالَةِ الْحَالِ تَقْتَضِيهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>