فَجَحَدَهُ إيَّاهُ وَعَجَزَ عَنْ خَلَاصِ حَقِّهِ، أَوْ ظَلَمَهُ السُّلْطَانُ مَالًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا مُحْتَالٌ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ لَكِنْ إذَا احْتَالَ بِأَنْ يَغُلَّ بَعْضَ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْغُلُولَ وَالْخِيَانَةَ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّوَصُّلَ إلَى حَقِّهِ كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالْكَذِبَ حَرَامٌ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّوَصُّلَ إلَى حَقِّهِ، وَلِهَذَا «قَالَ بَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لَنَا جِيرَانًا لَا يَدَعُونَ لَنَا شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إلَّا أَخَذُوهَا فَإِذَا قَدَرْنَا لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَنَأْخُذُهُ، فَقَالَ: أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» بِخِلَافِ مَا لَيْسَ خِيَانَةً لِظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ وَالتَّبَذُّلِ وَالتَّبَسُّطِ فِي مَالِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَأَخْذِ الزَّوْجَةِ نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إذَا مَنَعَهَا فَإِنَّهَا مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ إعْلَانِ هَذَا الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ غُلُولًا وَلَا خِيَانَةً وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهَا مَحَلُّ وِفَاقٍ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِيفَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا هِيَ أَيْضًا مِنْ الْحِيَلِ الْمَحْضَةِ، بَلْ هِيَ بِمَسَائِلِ الذَّرَائِعِ أَشْبَهُ، لَكِنْ لِأَجْلِ مَا فِيهَا مِنْ التَّحَيُّلِ ذَكَرْنَاهَا لِتَمَامِ أَقْسَامِ الْحِيَلِ، وَالْمَقْصُودُ الْأَكْبَرُ أَنْ يُمَيِّزَ الْفَقِيهُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لِيَعْرِفَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْ أَيِّ قِسْمٍ هِيَ فَيُلْحِقَهَا بِنَظِيرِهَا فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي أُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ مُسْتَوْفًى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَمْ يُسْتَوْفَ الْكَلَامُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ التَّحْلِيلِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الْخَمْسَةَ مُحْدَثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ مُبْتَدَعَةٌ وَنَبَّهْنَا هُنَا عَلَى سَبَبِ التَّحْرِيمِ فِيهَا وَالْمَقْصُودُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَدْ شُبِّهَتْ بِهِ حَتَّى جُعِلَتْ، وَإِيَّاهُ جِنْسًا وَاحِدًا، وَقِيَاسُ مَنْ قَاسَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَهُوَ الثَّالِثُ وَرُبَّمَا قِيسَ الثَّانِي أَيْضًا عَلَيْهِ كَمَا قِيسَ عَلَيْهِ الثَّانِي مِنْ الْخَامِسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ الْوَصْفُ الْمُشْتَرَكُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَا بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ الْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ هُوَ مِثْلُ قِيَاسِ الَّذِينَ قَالُوا {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] نَظَرًا إلَى أَنَّ الْبَائِعَ يَتَنَاوَلُ بِمَالِهِ لِيَرْبَحَ، وَكَذَلِكَ الْمُرْبِي، وَلَقَدْ سَرَى هَذَا الْمَعْنَى فِي نُفُوسِ طَوَائِفَ حَتَّى بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْمَرْمُوقِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا أَدْرِي لِمَ حُرِّمَ الرِّبَا وَيَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ تَحْلِيلُهُ، وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ اتِّبَاعًا فَقَطْ وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَامَ فِي نَفْسِ هَذَا هُوَ الَّذِي قَامَ فِي نُفُوسِ الَّذِينَ قَالُوا {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] فَلْيُعَزِّ مِثْلُ هَذَا نَفْسَهُ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَالنَّظَرِ فِي الدِّينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ هَذِهِ عَزَاءُ الْمُصِيبَةِ، وَلْيَتَأَمَّلْ فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute