للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْرِفْ إلَّا ذَلِكَ الْمَعْنَى، أَوْ يَكُونُ سَبَبُ التَّوَهُّمِ كَوْنَ اللَّفْظِ ظَاهِرًا فِيهِ مَعْنًى فَيَعْنِي بِهِ مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ بَاطِنًا فِيهِ بِأَنْ يَنْوِيَ مَجَازَ اللَّفْظِ دُونَ حَقِيقَتِهِ، أَوْ يَنْوِيَ بِالْعَامِّ الْخَاصَّ أَوْ بِالْمُطْلَقِ الْمُقَيَّدَ، أَوْ يَكُونَ سَبَبُ التَّوَهُّمِ كَوْنَ الْمُخَاطَبِ إنَّمَا يَفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ غَيْرَ حَقِيقَتِهِ بِعُرْفٍ خَاصٍّ لَهُ، أَوْ غَفْلَةٍ مِنْهُ، أَوْ جَهْلٍ مِنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ مَعَ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ إنَّمَا قَصَدَ حَقِيقَتَهُ، فَهَذَا - إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ دَفْعَ ضَرَرٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ - جَائِزٌ كَقَوْلِ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هَذِهِ أُخْتِي "، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَحْنُ مِنْ مَاءٍ» وَقَوْلِ الصِّدِّيقِ: رَجُلٌ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى غَيْرَهَا، وَكَانَ يَقُولُ: «الْحَرْبُ خَدْعَةٌ» وَكَإِنْشَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ:

شَهِدْت بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا

وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا

لَمَّا اسْتَقْرَأَتْهُ امْرَأَتُهُ الْقُرْآنَ حَيْثُ اتَّهَمَتْهُ بِإِصَابَةِ جَارِيَتِهِ - وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إذَا كَانَ دَفْعُ ذَلِكَ الضَّرَرِ وَاجِبًا وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِذَلِكَ مِثْلُ التَّعْرِيضِ عَنْ دَمٍ مَعْصُومٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتَعْرِيضُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا السَّبِيلِ وَهَذَا الضَّرْبُ نَوْعٌ مِنْ الْحِيَلِ فِي الْخِطَابِ، لَكِنَّهُ يُفَارِقُ الْحِيَلَ الْمُحَرَّمَةَ مِنْ الْوَجْهِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَالْوَجْهِ الْمُحْتَالِ بِهِ: أَمَّا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ هُنَا فَهُوَ دَفْعُ ضَرَرٍ غَيْرِ ضَرَرٍ مُسْتَحَقٍّ، فَإِنَّ الْجَبَّارَ كَانَ يُرِيدُ أَخْذَ امْرَأَةِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ، وَهَذَا مَعْصِيَةٌ عَظِيمَةٌ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ بَقَاءُ الْكُفَّارِ غَالِبِينَ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ غَلَبَتُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَسَادِ فَلَوْ عَلِمَ أُولَئِكَ الْمُسْتَجِيرُونَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَرَتَّبَ عَلَى عِلْمِهِمْ شَرٌّ طَوِيلٌ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْمَعَارِيضِ الَّتِي يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا فَإِنَّ عَامَّتَهَا إنَّمَا جَاءَتْ حَذَرًا مِنْ تَوَلُّدِ شَرٍّ عَظِيمٍ عَلَى الْأَخْبَارِ - فَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِهَا كِتْمَانَ مَا يَجِبُ مِنْ شَهَادَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ، أَوْ عِلْمٍ، أَوْ صِفَةِ مَبِيعٍ أَوْ مَنْكُوحَةٍ، أَوْ مُسْتَأْجَرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا حَرَامٌ بِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِهِ إذَا ذُكِرَتْ الْأَحَادِيثُ الْمُوجِبَةُ لِلنَّصِيحَةِ وَالْبَيَانِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُحَرِّمَةُ لِلْغِشِّ وَالْخِلَابَةِ وَالْكِتْمَانِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا رَوَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>