أقول: النطق هو الكلام وهو لا يتعدى بـ (عَنْ) وتضمين (عن) معنى الباء ليس بشيء وتضمين (نطق) معنى (صدر) كما جاء عند أغلب المفسرين لا يفي بالحاجة، فلا نقول صدر عن الهوى بل لا بد من ضم صدر إلى نطق والتأويل مستكره والأصل في التضمين: اللجوء إلى المستخف، والعدول عن المستثقل، فتضمين (نطق) معنى (أفصح) أخف وألطف وهو يتعدى بـ (عَنْ)، ففي اللسان: أفصح عن الشيء إذا كشفه وبتنه.
والإفصاح أخص من النطق لأنه لا يكون إلا مع البيان ووضوح الدلالة.
وما كان تعدّي نطق بـ (عَنْ) إلا لتخصيص العموم، فالنطق أعم وأسير قال تعالى:(عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) والإفصاح أخص وأبين في الدلالة على المراد قَالَ تَعَالَى: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) فجمع التضمين النطق مع الإفصاح حين تعدى بغير حرفه تَحفِّيا بالمعنى وتوصلاً إلى إدراك المطلب. ووجه آخر في صرف المعنى يحتمله السياق: عُدِّي نطق بـ عن حملا على سكت. والعرب قد تحمل الشيء على نقيضه كما تحمله على نظيره فالأصل: وما ينطق بالهوى، فإذا لم ينطق بهواه فقد سكت وإذا سكت عن الهوى فقد نطق بالحق فيما يُبلِّغ عن مولاه، وسكت عن كل وهم باطل.
إنه التضمين، وإنه غَوْر بطين، يحتاج مجتاحه إلى فقاهة في الصنعة ودُربة في وجوه التأويل. هاهو صلوات اللَّه عليه في الأفق الوضئ المرفرف بأجنحة النور في الملأ العلوي فهل يُفصح عن هوى نفس؟ إنما يفصح عن الحق وقوله الحق لأنه يتلقى من الحق.