صورة قدرة ذي الجلال، تغمر القلب مهابة وعظمة. وينطلق صوت الجليل في الصمت الرهيب (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ ولا مجيب سواه (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ). فلا كبرياء لغيره ولا استعلاء لسواه.
إن اختيار الألفاظ في النظم كاختيار الجواهر في العِقد الثمين، يعلو بها المعنى مرتقى تنقطع الأطماع دونه، والتضمين يبلغنا حاجة من هذا الجمال الفني تبعا للغرض الذي جيء به من أجله.
نعم (بعث) تعدى بـ (إلى) حين أخذ دور الهداية، وخرج مُخرج الإرشاد (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ) ثم هو يتعدى بـ (على) حين يأخذ دور التهديد الرعيب بوقوع العذاب الشديد (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) وقال: (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ).
جاء الفعل (يلقي) إذاً لينشئ في حس المؤمن تصورا لذي القدرة والجلال، العالي المقام في سياق النذارة (لينذر) وما كان آخذا فيه ومُنْصَبًّا إليه، ولولا (مِنْ) هذه لما استوقفنا فعل (ألقى) ليُبديَ لنا عن صفحته، وتحلى النفس بمعرفة السبب الذي جيء به من أجله في تنرله من علوه متناسقا في ظلاله مع جِرسه وإيقاعه (يلقي ... لينذر) يبعث جبريل على من يشاء من رسله لينذر أو يبلغ أو ... فلا يدفعك المَلال حين تعتاص عليك هذه الحروف إلى استكراه حالها فترميها للتناوب والتعاور، أو التعليق بمحذوف، أو ... وتصرفك عما استودعته فيها هذه اللغة الشريفة من خصائص الإتقان والصنعة وأسرار الإبداع والحكمة.