للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا قَلِيلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَكْثَرُهُمُ انْكَشَفَ حَالُهُ لَمَّا نَزَلْ فِيهِمُ الْقُرْآنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَرِّفُ كُلًّا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَالَّذِينَ بَاشَرُوا ذَلِكَ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ.

وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ، أَوْ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مُشْرِكًا أَمْرٌ لَا يَخْفَى مَعَ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّهُ مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: ٣٠] ، وَقَالَ: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: ٣٠] ، فَالْمُضْمِرُ لِلْكُفْرِ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ، وَأَمَّا بِالسِّيمَا فَقَدْ يُعْرَفُ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: ١٠] .

وَالصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ يُعَظِّمُهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدِّينِ، كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ، وَلَمْ يُعَظِّمِ الْمُسْلِمُونَ ـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ـ عَلَى الدِّينِ مُنَافِقًا.

وَالْإِيمَانُ يُعْلَمُ مِنَ الرَّجُلِ كَمَا يُعْلَمُ سَائِرُ أَحْوَالِ قَلْبِهِ مِنْ مُوَالَاتِهِ وَمُعَادَاتِهِ وَفَرَحِهِ وَغَضَبِهِ وَجُوعِهِ وَعَطَشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَهَا لَوَازِمُ ظَاهِرَةٌ. وَالْأُمُورُ الظَّاهِرَةُ تَسْتَلْزِمُ أُمُورًا بَاطِنَةً وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>