للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحْبُوبُ الْمُتَشَبَّهُ بِهِ لِمُحِبِّهِ الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُحْدِثَ لِتَصَوُّرَاتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ.

فَقَوْلُهُمْ فِي حَرَكَةِ الْفَلَكِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ فِي أَفْعَالِ (١) الْحَيَوَانِ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: حَرَكَةُ الْفَلَكِ هِيَ سَبَبُ الْحَوَادِثِ. فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْحَوَادِثَ كُلَّهَا تَحْدُثُ بِلَا مُحْدِثٍ أَصْلًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا. وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ.

وَهُمْ جَعَلُوا الْعِلْمَ الْأَعْلَى وَالْفَلْسَفَةَ الْأُولَى هُوَ الْعِلْمَ الْبَاطِنَ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ، وَقَسَّمُوا الْوُجُودَ إِلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ، ثُمَّ قَسَّمُوا الْأَعْرَاضَ إِلَى تِسْعَةِ أَجْنَاسٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا إِلَى خَمْسَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا إِلَى ثَلَاثَةٍ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ لَهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَصْرِ. وَقَسَّمُوا الْجَوَاهِرَ (٢) إِلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ: الْعَقْلُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَادَّةُ، وَالصُّورَةُ، وَالْجِسْمُ.

وَوَاجِبُ الْوُجُودِ تَارَةً يُسَمُّونَهُ جَوْهَرًا، وَهُوَ قَوْلُ قُدَمَائِهِمْ كَأَرِسْطُو وَغَيْرِهِ، وَتَارَةً لَا يُسَمُّونَهُ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ سِينَا. وَكَانَ قُدَمَاءُ الْقَوْمِ يَتَصَوَّرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أُمُورًا عَقْلِيَّةً، فَيَظُنُّونَهَا ثَابِتَةً فِي الْخَارِجِ، كَمَا يُحْكَى عَنْ شِيعَةِ فِيثَاغُورْسَ وَأَفْلَاطُونَ (٣) ، وَأَنَّ أُولَئِكَ أَثْبَتُوا أَعْدَادًا مُجَرَّدَةً فِي الْخَارِجِ، وَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا الْمُثُلَ الْأَفْلَاطُونِيَّةَ، وَهِيَ الْكُلِّيَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنِ الْأَعْيَانِ، وَأَثْبَتُوا الْمَادَّةَ الْمُجَرَّدَةَ، وَهِيَ الْهَيُولَى الْأَوَّلِيَّةُ، وَأَثْبَتُوا الْمُدَّةَ


(١) س، ب: أَحْوَالِ.
(٢) م: الْجَوْهَرَ.
(٣) ن، س: وَأَفْلَاطِنَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>