للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعَقْلُ الْأَوَّلُ (١) عِنْدَهُمْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ هَذَا. وَقَالَ: " «بِكَ، آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَبِكَ الثَّوَابُ» " وَهَذَا الْعَقْلُ عِنْدَهُمْ (* هُوَ رَبُّ الْعَالَمِ كُلِّهِ، هُوَ الْمُبْدِعُ لَهُ كُلِّهِ، وَهُوَ مَعْلُولُ الْأَوَّلِ، لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَرْبَعَةُ أَعْرَاضٍ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ *) (٢) مُبْدِعُ الْجَوَاهِرِ كُلِّهَا: الْعُلْوِيَّةِ، وَالسُّفْلِيَّةِ، وَالْحِسِّيَّةِ (٣) ، وَالْعَقْلِيَّةِ.

وَالْعَقْلُ فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَإِمَّا قُوَّةٌ فِي النَّفْسِ (٤) .

وَأَمَّا مَصْدَرُ [الْعَقْلِ] (٥) : عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا، وَأَمَّا الْعَاقِلُ فَلَا يُسَمَّى فِي لُغَتِهِمُ الْعَقْلَ.

وَهَؤُلَاءِ فِي اصْطِلَاحِهِمُ الْعَقْلُ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا، وَبَيَّنَّا حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ بِالْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، وَأَنَّ مَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْمُفَارَقَاتِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يَرْجِعُ إِلَّا إِلَى أَمْرِ وُجُودِهَا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، إِلَّا النَّفْسَ النَّاطِقَةَ، وَقَدْ أَخْطَئُوا فِي بَعْضِ صِفَاتِهَا (٦) .

وَهَؤُلَاءِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعَالَمَ مَعْلُولٌ عِلَّةً قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً وَاجِبَةَ الْوُجُودِ، وَإِنَّ الْعَالَمَ لَازِمٌ لَهَا، لَكِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ، وَإِنَّ الْأَفْلَاكَ تَتَحَرَّكُ حَرَكَةً إِرَادِيَّةً شَوْقِيَّةً لِلتَّشَبُّهِ بِهِ، وَهُوَ مُحَرِّكٌ لَهَا، كَمَا يُحَرِّكُ


(١) الْأَوَّلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(٢) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(٣) ن، م: الْحِسِّيَّةِ.
(٤) ب: إِمَّا قُوَّةُ النَّفْسِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(٥) الْعَقْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٦) انْظُرْ فِي هَذَا: الرِّسَالَةَ " السَّبْعِينِيَّةَ " لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، ضِمْنَ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى، نَشَرَهُ فَرَجُ اللَّهِ الْكُرْدِيُّ، مَطْبَعَةُ كُرْدِسْتَانَ الْعِلْمِيَّةُ، الْقَاهِرَةُ، ١٣٢٩. وَانْظُرْ كِتَابِي: مُقَارَنَةٌ بَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ، ط. دَارِ الْقَلَمِ، الْكُوَيْتِ، ١٣٩٥ ١٩٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>