للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَطَلَبَ مِثْلَ هَذَا لِتَحْصِيلِ النِّيَّةِ مِنْ جَهْلِهِ بِحَقِيقَةِ النِّيَّةِ وَوُجُودِهَا فِي نَفْسِهِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ مُسْلِمٌ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الصَّوْمِ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِلصَّوْمِ (١) ، فَهَذَا نِيَّةُ الصَّوْمِ. وَهُوَ حِينَ يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلِهَذَا يُفَرِّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ، وَعِشَاءِ لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَيْلَةُ الْعِيدِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصُومُ، فَلَا يُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَا يَنْوِيهِ، وَلَا يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ.

وَهَذَا مِثْلُ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَمْشِي وَيَرْكَبُ، وَيَلْبَسُ، إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَهَا، وَهَذِهِ نِيَّتُهَا، فَلَوْ قَالَ بِلِسَانِهِ: أُرِيدُ أَنْ أَضَعَ يَدِيَ فِي هَذَا الْإِنَاءِ لِآخُذَ لُقْمَةً آكُلُهَا، كَانَ أَحْمَقَ عِنْدَ النَّاسِ. فَهَكَذَا مَنْ يَتَكَلَّمُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالصِّيَامِ (٢) . وَمَعَ هَذَا فَتَجِدُ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْمُوَسْوَسِينَ بِعِلْمٍ وَعِبَادَةٍ يَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ النِّيَّةِ أَعْظَمَ مِمَّا يَجْتَهِدُ مَنْ يَسْتَخْرِجُ مَا فِي قَعْرِ مَعِدَتِهِ مِنَ الْقَيْءِ، أَوْ مَنْ يَبْتَلِعُ الْأَدْوِيَةَ الْكَرِيهَةَ.

وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَعَارِفِ، قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ ضَرُورِيًّا وَفِطْرِيًّا، وَهُوَ يَطْلُبُ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ ; لِإِعْرَاضِهِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَعَدَمِ شُعُورِهِ بِشُعُورِهِ.

فَهَكَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ نَظَرَ فِي كَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ نُفَاةِ الْمَحَبَّةِ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ قَوْلًا صَحِيحًا ; لِمَا ظَنَّهُ مِنْ صِحَّةِ شُبُهَاتِهِمْ، أَوْ تَقْلِيدًا لَهُمْ، فَصَارَ يَقُولُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ،


(١) ن، م، و: يُرِيدُ الصَّوْمَ.
(٢) ن: وَالصَّوْمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>