للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ هَذَا لَمَّا كَانُوا يَنْقُلُونَ اللَّبِنَ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَكَانُوا يَنْقُلُونَ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» " (١) .

. وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذَمٌّ لِعَمَّارٍ، بَلْ مَدْحٌ لَهُ. وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُونَ لَهُ مُصِيبِينَ فِي قَتْلِهِ لَمْ يَكُنْ مَدْحًا لَهُ، وَلَيْسَ فِي كَوْنِهِمْ يَطْلُبُونَ دَمَ عُثْمَانَ مَا يُوجِبُ مَدْحَهُ.

وَكَذَلِكَ مَنْ تَأَوَّلَ قَاتِلَهُ (٢) .

بِأَنَّهُمُ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَاتَلَ مَعَهَا، فَتَأْوِيلُهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَيَلْزَمُهُمْ مَا أَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ عَلِيٌّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ قَدْ قَتَلُوا كُلَّ مَنْ قُتِلَ مَعَهُمْ فِي الْغَزْوِ، كَحَمْزَةَ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: فُلَانٌ قَتَلَ فَلَانًا، إِذَا أَمَرَهُ بِأَمْرٍ كَانَ فِيهِ حَتْفُهُ، وَلَكِنَّ هَذَا مَعَ الْقَرِينَةِ، لَا يُقَالُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، بَلِ الْقَاتِلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الَّذِي قَتَلَهُ دُونَ الَّذِي أَمَرَهُ.

ثُمَّ هَذَا يُقَالُ لِمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ، وَعَمَّارٌ لَمْ يَأْمُرْهُ أَحَدٌ بِقِتَالِ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ، بَلْ [هُوَ] كَانَ مِنْ (٣) أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَأَشَدِّهِمْ رَغْبَةً فِي ذَلِكَ، وَكَانَ حِرْصُهُ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ حِرْصِ غَيْرِهِ، وَكَانَ هُوَ يَحُضُّ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ عَلَى قِتَالِهِمْ.

وَلِهَذَا لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ تُذْكَرُ مَقَالَاتُهُمْ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، بَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَطَائِفَةٌ ضَعَّفَتْهُ لِمَا رُوِيَ عِنْدَهَا بِأَسَانِيدَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً عِنْدَهُمْ، وَلَكِنْ رَوَاهُ أَهْلُ


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص ٤١٥
(٢) ن، م: تَأَوَّلَ قَوْلِي
(٣) ن، م: وَعَمَّارٌ لَمْ يَأْمُرْ غَيْرَهُ بِقِتَالِ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ بَلْ كَانَ هُوَ مِنْ. . .

<<  <  ج: ص:  >  >>