للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان الشيخ في هذه المرحلة حريصاَ على الطلب، ويرجع هذا لما آتاه الله من حب للعلم. ويظهر حرصه على العلم بما وصفه به نصيف حيث قال: (كان الشيخ محمد لا يفوته درس من دروس العلماء والمشايخ أثناء طلبه للعلم، كان شديد الحرص على ذلك بالغاً فيه الجَهد والغاية، مع أنه كان كفيفَ البصر) . ومما يدلُّ له أيضاَ: اقتصار صاحب كتاب "تراجم علماء جُدة من الحضارمة " على ذكره عندما تكلم عن أبرز طلاب الشيخ باصبرين، فلم يذكر إلا هو والشيخ عبد القادر التلمساني، وهذا مما يدلُّ على أنه كان حريصاَ ملازماً.

المرحلة الثانية: وتبدأ هذه المرحلة برحلته العلمية إلى دمشق، حيث عالمها الشهير جمال الدين القاسمي.

فبعد أن تلقى المؤلف- رحمه الله- تعليمه على علماء جدة- كما قلَّمنا- أراد الاستزادة من هذا العلم، فتوجه إلى الشام، وكان هذا في حوالي سنة ١٣٢٥ هـ. اتصل - رحمه الله- بالشيخ جمال الدين، ولازمه مدة امتدت إلى خمس سنوات أو ست سنوات، استفاد فيها فائدة عظيمة ظهرت آثارها في حياته وسلوكه، وفي كتابه أيضا.

فقد أتقن علم الحديث والتمييز بين الصحيح والضعيف. ويدُل لهذا ذكره للأحاديث الكثيرة في كتابه مع الاعتناء بذكر الصحيح منها، حيث لم يذكر في كتابه إلا الصحيح، وقد يذكر الضعيف مع التنبيه على ضعفه.

كما استفاد- رحمه الله- من شيخه القاسمي: "العقيدة الصحيحة والسلفية والدعوة إليها والرد على المخالفين "، من معتزلة، وأشعرية، وجهمية، وبالغ في الرد على الصوفية، وتحرر من التقليد الأعمى، وحاربه أشد محاربة، وكان يتردد على مكتبة دمشق في ذلك الوقت وكانت عامرة بالكتب، فاستفاد من النظر فيها والأخذ منها.

ثم رجع إلى جُدة- رحمه الله- وكان هذا في حدود سنة ١٣٣١ هـ أو قبلها بقليل، فانكبَّ على التحصيل والمطالعة في مكتبته العظيمة. وقد استمر في جُدة مرجعاً للناس في العلم والفُتْيَا، ومدرساً وإماماً في مسجد عكاش حتى توفَّاه الله.

<<  <   >  >>