ولعلّك إذا اطّلعتَ على كتابي هذا؛ يحوك في صدرك شيء منه؛ من أجل أنّ بعض ما فيه من الفوائد مخالف لكثير ممّا عابه بعض الخلف!
فأقول لك: اعلم ـ يا أخي ـ أنّي ما ذكرتُ في كتابي هذا إلَّا ما تظاهرت به النّصوص من الكتاب والسُّنّة وأقوال سلف الأُمّة من الصّحابة والتّابعين والأئمّة المجتهدين وأهل الحديث أجمعين، لا خلاف بينهم في حرف ممّا ذكرناه في هذا الكتاب من العقائد.
وإليك نبذة ممّا عثرتُ عليه من ذلك، أقتصر فيها على ما ورد عن الأئمّة الأربعة ـ أبي حنيفة ومالك والشّافعيّ وأحمد ـ (رضوان الله عليهم أجمعين) ؛ حيث إنّ النّاس في هذا الزّمان قد قصروا أحكام الدّين على ما ورد عنهم؛ فإذا كانوا قد ارتضوهم في أحكام الدّين؛ فلِمَ لم يرضوهم في أصوله؟! فهل يكونون عدولًا وأمناء في الفقه دون العقائد؟! فهذا لا يقول به أحد عرف قدرهم.
فإن كنتَ ـ يا أخي ـ لا ترضى لنفسك إلَّا التّقليد؛ فها أنا أسرد كلّ عقائدهم، وإن كنتَ ممّن يقول: إنّ العقائد لا يجوز فيها التّقليد بحال؛ بل لا بُدّ فيها من النّظر والاستدلال؛ قلنا لك: بيننا وبينك كتاب الله وسُنّة رسوله وأقوال أصحابه؛ وكلّها تنادي بأعلى صوت يسمعه القريب والبعيد: بأنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ على عرشه، وعرشه فوق سبع سماواته، وأنّه ينزل كلّ ليلة إلى سماء الدُّنيا، وأنّ الملائكة يعرجون إليه، وأنّ له يدان، وله عين ونفس وقدم وساق، وأنّه يأتي يوم القيامة، وأنّه يغضب ويرضى، ويحبّ ويبغض ويكره، ويعجب ويفرح، ويرحم ويحسن، وغير ذلك من الصّفات التي ورد بها الكتاب والسُّنّة الصّحيحة، وأنكرها كثير من الخلف، ولم ينكروا ورود لفظها؛ لأنّه لا سبيل لهم إلى إنكار لفظها؛ بل عمدوا إلى تحريفها وتأويلها وصرفها عن ظاهرها؛ فعند التّحقيق هو إنكار للفظها، ولكن تستّروا بالتّأويل والتّحريف؛ فوقعوا في التّعطيل؛ وقالوا: إنّنا أردنا الرّدّ على الفلاسفة والملاحدة، فلا لعدوّهم كسروا ولا للإسلام نصروا! ولا حول ولا قوّة إلَّا بالله العليّ العظيم.