الأموات ما اعتقده أهل الأصنام في أصنامهم. ثم كرر هذا المعنى في كلامه، وجعله السّبب في رفع السّيف عنهم، وهو باطل؛ فما ترتب عليه مثله باطل؛ فلا نطول برده.
بل هؤلاء القبوريّون قد وصلوا إلى حدّ في اعتقادهم في الأموات لم يبلغه المشركون في اعتقادهم في أصنامهم؛ وهو: أنّ الجاهليّة كان إذا مسّهم الضّرّ دعوا الله وحده، وإنّما يدعون أصنامهم مع عدم نزول الشّدائد من الأمور؛ كما حكاه الله عنهم بقوله:{وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ مَن تدعون إلَّا إيّاه فلمّا نجّاكم إلى البرّ أعرضتم وكان الإنسان كفورًا} ، وبقوله ـ تعالى ـ:{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم السّاعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} ، وبقوله ـ تعالى ـ:{وإذا مسّ الإنسان ضرّ دعا ربّه منيبًا إليه ثم إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل} ، وبقوله ـ تعالى ـ:{وإذا غشيهم موج كالظّلل دعوا الله مخلصين له الدّين} ، بخلاف المعتقدين في الأموات؛ فإنّهم إذا دهمتهم الشّدائد استغاثوا بالأموات ونذروا لهم النّذور، وقلّ مَن يستغيث بالله ـ سبحانه ـ في تلك الحال؛ وهذا يعلمه كلّ مَن له بحث عن أحوالهم؛ ولقد أخبرني بعض مَن ركب البحر للحجّ أنّه اضطرب اضطرابًا شديدًا؛ فسمع من أهل السّفين من الملّاحين وغالب الرّاكبين معهم؛ ينادون الأموات ويستغيثون بهم، ولم يسمعهم يذكرون الله قط! قال: ولقد خشيتُ في تلك الحال الغرق؛ لما شاهدته من الشّرك بالله.
وقد سمعنا عن جماعة من أهل البادية المتّصلة بصنعاء: إنّ كثيرًا منهم إذا حدث له ولد؛ جعل قسطًا من ماله لبعض الأموات المعتقدين، ويقول: إنّه قد اشترى ولده من ذلك الميّت الفلانيّ بكذا، فإذا عاش حتى يبلغ سنّ الاستقلال؛ دفع ذلك الجُعل لمَن يعتكف على قبر ذلك الميّت من المحتالين لكسب الأموال.
وبالجملة: فالسّيّد المذكور ـ رحمه الله ـ قد جرّد النّظر في بحثه السّابق إلى الإقرار بالتّوحيد الظّاهريّ، واعتبر مجرد التّكلّم بكلمة التّوحيد [فقط، من دون نظر إلى ما ينافي ذلك من أفعال المتكلّم بكلمة التّوحيد] ، ويخالفه من اعتقاده الذي صدرت