هَذَا أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَحَقِيقَتُهَا حَتَّى صَارَتْ تُشْبِهُ الْإِبْطَالَ مِنْ حَيْثُ كَانَ وُجُودًا يَخْلُفُ الزَّوَالَ وَهُوَ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَيَانٌ مَحْضٌ لِمُدَّةِ الْحُكْمِ الْمُطْلَقِ الَّذِي كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ أَطْلَقَهُ فَصَارَ ظَاهِرُهُ الْبَقَاءَ فِي حَقِّ الْبَشَرِ فَكَانَ تَبْدِيلًا فِي حَقِّنَا بَيَانًا مَحْضًا فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ كَالْقَتْلِ بَيَانٌ مَحْضٌ لِلْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ بِلَا شُبْهَةٍ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَفِي حَقِّ الْقَاتِلِ تَغْيِيرٌ وَتَبْدِيلٌ.
ــ
[كشف الأسرار]
الْقَوْلُ خِطَابًا وَلَفْظًا دَالًّا عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَزَوَالُهُ ظُهُورُ انْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِهِ وَانْتِهَاءُ أَمَدِهِ وَلَا يَكُونُ نَسْخًا بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ لِوُجُودِ النَّسْخِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ لَيْسَ بِخِطَابٍ وَلِهَذَا زَادَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هُوَ إزَالَةُ مِثْلِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِقَوْلٍ مَنْقُولٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَنْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ فِعْلٍ مَنْقُولٍ عَنْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا. وَيَنْدَفِعُ الْأَوَّلُ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ الْخِطَابِ خِطَابُ الشَّارِعِ لَا خِطَابُ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْخِطَابَ إذَا أُطْلِقَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يُرَادُ بِهِ خِطَابُ الشَّارِعِ لَا كَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَلَامَ الْعَدْلِ دَالٌّ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ بَلْ كَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى خِطَابٍ مِنْ الشَّارِعِ دَالٍّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ وَكَذَا وَكَذَا فَلِذَلِكَ لَا يُسَمَّى نَسْخًا.
وَالثَّانِي بِأَنْ يُقَالَ: فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدُلُّ عَلَى خِطَابٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى دَالٍّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ إذْ لَيْسَ لِلرَّسُولِ وِلَايَةُ رَفْعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مُعَرِّفًا لِلْخِطَابِ الدَّالِّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ وَمُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَأَخِّرٍ فَقَيَّدَ بِالشَّرْعِيِّ احْتِرَازًا عَنْ الْعَقْلِيِّ فَإِنَّ رَفْعَ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ الثَّابِتَةِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْمُبَاحِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَأَخِّرٍ لَا يُسَمَّى نَسْخًا بِالْإِجْمَاعِ وَبِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ احْتِرَازًا عَنْ الرَّفْعِ بِالْمَوْتِ وَبِقَوْلِهِ مُتَأَخِّرًا احْتِرَازًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ رَفْعُ الْحُكْمِ خَرَجَ التَّقْيِيدُ بِالْغَايَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ الْمُتَّصِلَ بِالْخِطَابِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِرَافِعٍ لِحُكْمِ الْخِطَابِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ بَيَانٌ وَإِتْمَامٌ لِمَعْنَاهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَتَقْيِيدٌ لَهُ بِمُدَّةٍ وَشَرْطٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ بَيَانُ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُطْلَقِ الَّذِي فِي تَقْدِيرِ أَوْهَامِنَا اسْتِمْرَارُهُ لَوْلَاهُ بِطَرِيقِ التَّرَاخِي وَنَعْنِي بِالْحُكْمِ الْمَحْكُومَ لَا الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَالَ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمُوَقَّتُ صَرِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَهْمِنَا اسْتِمْرَارُهُ وَلَا التَّخْصِيصُ فَإِنَّهُ بَيَانُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ الْأَصْلِ لَا أَنَّهُ انْتِهَاءٌ بَعْدَ الثُّبُوتِ قَالَ وَمَا قَالُوا مِنْ الْإِزَالَةِ وَالرَّفْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ الْحُكْمِ فِي الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُهُ وَمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ فَكَيْفَ يَبْطُلُ قُلْت وَهَذِهِ التَّعْرِيفَاتُ كُلُّهَا لَيْسَتْ بِجَامِعَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ بِطَرِيقِ الْإِنْسَاءِ نَسْخٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ حَيْثُ أَوْرَدُوا فِي كُتُبِهِمْ نَظِيرَ نَسْخِ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا مَا رُفِعَ مِنْ صُحُفِ إبْرَاهِيمَ بِالْإِنْسَاءِ وَمَا رُفِعَ مِنْ الْقُرْآنِ بِالْإِنْسَاءِ مِثْلُ مَا رُوِيَ أَنَّ سُورَةَ الْأَحْزَابِ كَانَتْ تَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذِهِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَاءَ لَيْسَ بِخِطَابٍ رَافِعٍ وَلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَلَا بَيَانٍ لِشَيْءٍ فَإِذًا لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ تَصِيرُ بِهَا جَامِعَةً مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ رَفْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَوْ بِإِنْسَاءٍ وَهَكَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَ هَذَا الْقِسْمَ نَسْخًا، فَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ نَسْخًا كَالرَّفْعِ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى النَّسْخِ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: ١٠٦] وَالْعَطْفُ يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ قَوْلِهِ (هَذَا) أَيْ التَّبْدِيلُ أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ هِيَ النَّسْخُ حَتَّى صَارَتْ أَيْ حَقِيقَتُهَا وَهِيَ التَّبْدِيلُ تُشْبِهُ الْإِبْطَالَ مِنْ حَيْثُ كَانَ التَّبْدِيلُ أَيْ الْمُبَدِّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute