فَإِذَا ثَبَتَ الْمَطْعُومُ بِهِ مُرَادًا سَقَطَ غَيْرُهُ قَالَ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَصْلُ الْكَلَامِ وَالْمَجَازَ ضَرُورِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ تَوْسِعَةً وَلَا عُمُومَ لِمَا ثَبَتَ ضَرُورَةَ تَكَلُّمِ الْبَشَرِ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْكَلَامِ فَكَانَ مِثْلَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ عُمُومَ الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَلْ لِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا اسْمٌ خَاصٌّ فَإِذَا زِدْت عَلَيْهِ لَامَ الْعَرِيفِ مِنْ غَيْرِ مَعْهُودٍ ذَكَرْته انْصَرَفَ إلَى تَعْرِيفِ الْجِنْسِ فَصَارَ عَامًّا بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ
ــ
[كشف الأسرار]
مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ إلَّا أَنَّ الْخَصْمَ قَالَ هَذَا النَّصُّ مَجَازٌ عِبَارَةً عَمَّا يُحِلُّهُ وَيُجَاوِرُهُ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] أَيْ صَلَاةٍ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِعُمُومِهِ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَا يَجْرِي إلَّا فِي الْحَقَائِقِ وَقَدْ أُرِيدَ الْمَطْعُومُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ مُرَادًا وَصَارَ كَأَنَّهُ قِيلَ وَلَا الْمَطْعُومِ الْمُقَدَّرِ بِالصَّاعِ بِالْمَطْعُومِ الْمُقَدَّرِ بِالصَّاعَيْنِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ يَبْقَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى حُرْمَةِ بَيْعِ مَا وَرَاءَ الْمَطْعُومِ مُتَفَاضِلًا وَلَا عَلَى كَوْنِ الْمَكِيلِ عِلَّةً وَصَارَ مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ وَشُبْهَةُ الْخَصْمِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ هُوَ الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ وُضِعَتْ دَلَالَاتٍ عَلَى الْمَعَانِي لِلْإِفَادَةِ.
وَلِهَذَا لَا يُعَارِضُ الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَا يَصِيرَ اللَّفْظُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي حُكْمِ الْمُشْتَرَكِ فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ مَوْضُوعَاتِهَا لِتَأْدِيَةِ ذَلِكَ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْفَهْمِ إلَّا أَنَّهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ ضَرُورَةَ التَّوْسِعَةِ فِي الْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ الرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّهَا بُنِيَتْ ضَرُورَةَ التَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ يَرْتَفِعُ بِدُونِ إثْبَاتِ حُكْمِ الْعُمُومِ لِلْمَجَازِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَكَانَ الْمَجَازُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ هُنَاكَ وَصْفُ الْعُمُومِ عِنْدَكُمْ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَرْتَفِعُ بِدُونِهِ فَكَذَا هُنَا عِنْدِي وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمَجَازُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْكَلَامِ فَكَانَ مِثْلَ صَاحِبِهِ فِي احْتِمَالِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ وَفِي قَوْلِهِ أَحَدُ نَوْعَيْ الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَجَازَ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ بَلْ هُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْكَلَامِ حَتَّى كَادَ الْمَجَازُ يَغْلِبُ الْحَقِيقَةَ فَكَيْفَ يُسَمَّى هَذَا ضَرُورِيًّا.
قَوْلُهُ (لِأَنَّ عُمُومَ الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً) إذًا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجَدَ حَقِيقَةً إلَّا وَأَنْ تَكُونَ عَامَّةً وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ بَلْ لِدَلِيلٍ زَائِدٍ لِيُحَقَّقَ بِهِ مِثْلُ الْوَاوِ وَالنُّونِ أَوْ الْأَلِفِ وَالتَّاءِ فِي قَوْلِهِ مُسْلِمُونَ وَمُسْلِمَاتٌ أَوْ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيمَا لَا مَعْهُودَ فِيهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ فِي الْمَجَازِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِعُمُومِهِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا لَهُ كَمَا فِي الْحَقِيقَةِ (فَإِنْ قِيلَ) سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُمُومَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَلِلدَّلِيلِ الَّذِي التَّحَقُّقُ بِهِ فَيَثْبُتُ الْعُمُومُ بِالْمَجْمُوعِ وَلَمْ يُوجَدْ بِالْمَجْمُوعِ فِي الْمَجَازِ فَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِعُمُومِهِ.
(قُلْنَا) لَا بُدَّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ نَوْعُ تَأْثِيرٍ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِيَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِمَا وَقَدْ وَجَدْنَا التَّأْثِيرَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِلدَّلِيلِ اللَّاحِقِ لَا لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِمَا بَلْ يَجِبُ إضَافَتُهُ إلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْمُؤَثِّرِ وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا الْوَاوَ وَالنُّونَ وَلَامَ التَّعْرِيفِ فِي اسْمِ الْجِنْسِ، وَسَائِرُ دَلَائِلِ الْعُمُومِ تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ دَلَالَةً مُطَّرِدَةً وَلَمْ نَجِدْ الْحَقِيقَةَ كَذَلِكَ إذْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي مُسْلِمٍ وَضَارِبٍ وَرَجُلٍ وَلَا تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ بِوَجْهٍ فَعَرَفْنَا أَنْ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فَأَضَفْنَا ثُبُوتَ الْعُمُومِ إلَى الدَّلِيلِ الْمُؤَثِّرِ إلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّمَا اطَّرَدَ دَلَالَةُ الْوَاوِ وَالنُّونِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ صِيغَةٍ تَلْحَقُ بِهَا فَتَدُلُّ حَقِيقَةُ تِلْكَ الصِّيغَةِ مَعَ الدَّلِيلِ اللَّاحِقِ بِهِ عَلَى الْعُمُومِ لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ فَأَمَّا الْحَقِيقَةُ فَقَدْ انْفَصَلَتْ عَنْ دَلِيلِ الْعُمُومِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ النَّظَائِرِ فَلَا يَثْبُتُ الْعُمُومُ بِهَا وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْوَصْفَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ فَإِذًا لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى انْتِفَاءِ كَوْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute