للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِثَالُهُ مِنْ مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا بَابٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي الْجَامِعِ مَعَ رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْآخَرُ الْحَقُّ الْيَقِينُ الصِّدْقُ وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ تَصْدِيقًا وَلَوْ قَالَ الْبِرُّ الصَّلَاحُ لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقًا وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْحَقِّ أَوْ الْبِرِّ وَالْيَقِينِ أَوْ الْبِرِّ وَالصِّدْقِ حُمِلَ الْبِرُّ عَلَى الصِّدْقِ وَالْحَقِّ وَالْيَقِينِ فَجُعِلَ تَصْدِيقًا وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَقِّ أَوْ الْيَقِينِ أَوْ الصِّدْقِ وَالصَّلَاحِ جُعِلَ رَدًّا وَلَمْ يَكُنْ تَصْدِيقًا وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الصِّدْقَ وَالْحَقَّ وَالْيَقِينَ مِنْ أَوْصَافِ الْخَبَرِ وَهِيَ نُصُوصٌ ظَاهِرَةٌ لِمَا وُضِعَتْ لَهُ مِنْ دَلَالَةِ الْوُجُودِ لِلْمَخْبَرِ عَنْهُ فَيَكُونُ جَوَابًا عَلَى التَّصْدِيقِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ مَجَازًا أَيْ الصِّدْقَ أَوْلَى بِك مِمَّا تَقُولُ وَأَمَّا الْبِرُّ فَاسْمٌ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْإِحْسَانِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْجَوَابِ فَصَارَ بِمَعْنَى الْمُجْمَلِ فَلَمْ يَصْلُحْ جَوَابًا بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَارَنَهُ نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا حُمِلَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الصَّلَاحُ فَلَفْظٌ لَا يَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ بِحَالٍ وَهُوَ مُحْكَمٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا ضُمَّ إلَيْهِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ وَجَبَ حَمْلُ النَّصِّ الَّذِي هُوَ مُحْتَمَلٌ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ فَلَمْ يَكُنْ تَصْدِيقًا وَصَارَ مُبْتَدَأً فَتَرَجَّحَ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ عِنْدَ التَّعَارُضِ

ــ

[كشف الأسرار]

إشْهَادَ الْعُمْيَانِ وَالْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ فِي النِّكَاحِ صَحِيحٌ حَتَّى انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ إيرَادَ الْمِثَالِ لَيْسَ مِنْ اللَّوَازِمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَتَمَهَّدُ بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ لَا بِالْمِثَالِ وَإِنَّمَا إيرَادُ الْمِثَالِ لِلتَّوْضِيحِ وَالتَّقْرِيبِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى الْمُدَّعِي أَوَّلًا ثُمَّ إيرَادُ الْمِثَالِ بَعْدُ إنْ شَاءَ لِلْإِيضَاحِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ فَإِذَا تَمَهَّدَ الْأَصْلُ فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا يَتْعَبَ فِي طَلَبِ الْمِثَالِ.

قَوْلُهُ (وَمِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ تَرْكِ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى مِنْ مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا بَابٌ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إقْرَارِ الْجَامِعِ وَأَصْلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا صَلَحَ تَصْدِيقًا لِكَلَامِ الْمُدَّعِي وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا يُجْعَلُ تَصْدِيقًا وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ رَدًّا وَلَا يَصْلُحُ تَصْدِيقًا يُجْعَلُ رَدًّا وَإِنْ احْتَمَلَهُمَا يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَالْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ خَمْسَةٌ الْحَقُّ الْيَقِينُ الصِّدْقُ الْبِرُّ الصَّلَاحُ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى تَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ ظَاهِرًا يُقَالُ خَبَرٌ حَقٌّ خَبَرٌ يَقِينٌ خَبَرٌ صِدْقٌ فَأَمَّا الْبِرُّ فَاسْمٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ صِفَةً لِلْخَبَرِ بِقَرِينَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَخْبَرَ بِخَبَرِ صِدْقٍ صَدَقْت وَبَرَرْت كَمَا تَقُولُ لِمَنْ أَخْبَرَ بِخَبَرِ كَذِبٍ كَذَبْت وَفَجَرْت وَأَمَّا الصَّلَاحُ فَلَا يَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ بِحَالٍ لَا يُقَالُ خَبَرُ صَلَاحٍ وَلَا صَدَقْت وَصَلَحْت فَإِذَا قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْآخَرُ الْحَقُّ أَوْ الْيَقِينُ أَوْ الصِّدْقُ كَانَ تَصْدِيقًا وَإِقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَحَلِّ الْجَوَابِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا فَيُجْعَلُ مَحْمُولًا عَلَى الْجَوَابِ بِظَاهِرِهِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ يَصِيرُ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ الْحَقُّ مَا قُلْت الصِّدْقُ مَا قُلْت الْيَقِينُ مَا قُلْت وَبَيَانُ أَنَّهُ صَالِحٌ لِلْجَوَابِ أَنَّ الدَّعْوَى خَبَرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْخَبَرَ يُوصَفُ بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَالْيَقِينِ وَبِضِدِّهَا هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ أَيْ الصِّدْقَ أَوْلَى بِك أَوْ عَلَيْك بِالصِّدْقِ أَوْ الْحَقُّ وَالْيَقِينُ أَوْلَى بِالِاشْتِغَالِ مِنْ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَبْ أَوْ ذُكِرَ مَرْفُوعًا أَمَّا إذَا نُصِبَ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ الْحَقَّ أَوْ الصِّدْقَ فَيَكُونُ أَمْرًا لَهُ بِالصِّدْقِ وَنَهْيًا لَهُ عَنْ الْكَذِبِ.

وَقَالَ عَامَّتُهُمْ لَوْ قَالَ بِالنَّصْبِ يَكُونُ تَصْدِيقًا أَيْضًا وَمَعْنَاهُ أَنَّك ادَّعَيْت الْحَقَّ أَوْ قُلْت وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ؛ وَالْأَصْلُ فِيهِ هُوَ الْعُرْفُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ إنَّمَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ وَلَوْ قَالَ الْبِرُّ أَوْ الصَّلَاحُ لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقًا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البقرة: ١٨٩] فَفِي مَحَلِّ الْجَوَابِ هَذَا اللَّفْظُ فِي مَعْنَى الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّ صَلَاحِيَتَهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَاحْتِمَالُ الْجَوَابِ وَغَيْرِهِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ وَبِاللَّفْظِ الْمُجْمَلِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا وَالْجَوَابُ لَا يَتِمُّ بِكَلَامٍ مُجْمَلٍ وَأَمَّا الصَّلَاحُ فَلَا يَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ بِوَجْهٍ فَصَارَ مَعْنَى كَلَامِهِ الْبِرَّ وَالصَّلَاحَ أَوْلَى بِك أَوْ الْزَمْ الصَّلَاحَ وَاتْرُكْ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةَ وَلَوْ ضَمَّ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْبِرِّ فَقَالَ الصِّدْقُ الْبِرُّ أَوْ الْحَقُّ الْبِرُّ أَوْ الْيَقِينُ الْبِرُّ أَوْ قَدَّمَ الْبِرَّ فَقَالَ الْبِرُّ الصِّدْقُ أَوْ الْبِرُّ الْحَقُّ أَوْ الْبِرُّ الْيَقِينُ كَانَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ لَمَّا صَارَ مُجْمَلًا صَارَ مَا ضُمَّ إلَيْهِ بَيَانًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِرَّ مَقْرُونًا بِالصِّدْقِ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ يُقَالُ صَدَقْت وَبَرَرْت فَإِنْ ضُمَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>