. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، وَبِيُمْنِهَا يُرْتَقَى مِنْ حَضِيضِ الْجَهَالَةِ إلَى ذُرْوَةِ الِاجْتِهَادِ، لَا سِيَّمَا عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ الَّذِي هُوَ أَصْعَبُهَا مَدَارِكَ، وَأَدَقُّهَا مَسَالِكَ، وَأَعَمُّهَا عَوَائِدَ، وَأَتَمُّهَا فَوَائِدَ، لَوْلَاهُ لَبَقِيَتْ لَطَائِفُ عُلُومِ الدِّينِ كَامِنَةَ الْآثَارِ، وَنُجُومُ سَمَاءِ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ مَطْمُوسَةَ الْأَنْوَارِ، لَا تَدْخُلُ مَيَامِنُهُ تَحْتَ الْإِحْصَاءِ، وَلَا تُدْرَكُ مَحَاسِنُهُ بِالِاسْتِقْصَاءِ.
ثُمَّ إنَّ كِتَابَ أُصُولِ الْفِقْهِ الْمَنْسُوبَ إلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُعَظَّمِ، وَالْحَبْرِ الْهُمَامِ الْمُكَرَّمِ، الْعَالِمِ الْعَامِلِ الرَّبَّانِيِّ، مُؤَيِّدِ الْمَذْهَبِ النُّعْمَانِيِّ، قُدْوَةِ الْمُحَقِّقِينَ أُسْوَةِ الْمُدَقِّقِينَ صَاحِبِ الْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ وَالْكَرَامَاتِ السَّنِيَّةِ مَفْخَرِ الْأَنَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَزْدَوِيِّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ، وَأَسْكَنَهُ أَعْلَى مَنَازِلِ الْجِنَانِ، امْتَازَ مِنْ بَيْنِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي هَذَا الْفَنِّ شَرَفًا وَسُمُوًّا، وَحَلَّ مَحَلَّهُ مَقَامَ الثُّرَيَّا مَجْدًا وَعُلُوًّا، ضَمَّنَ فِيهِ أُصُولَ الشَّرْعِ وَأَحْكَامَهُ، وَأَدْرَجَ فِيهِ مَا بِهِ نِظَامُ الْفِقْهِ وَقِوَامُهُ، وَهُوَ كِتَابٌ عَجِيبُ الصَّنْعَةِ رَائِعُ التَّرْتِيبِ، صَحِيحُ الْأُسْلُوبِ مَلِيحُ التَّرْكِيبِ، لَيْسَ فِي جَوْدَةِ تَرْكِيبِهِ وَحُسْنِ تَرْتِيبِهِ مِرْيَةٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ عَبَّادَانَ قَرْيَةٌ، لَكِنَّهُ صَعْبُ الْمَرَامِ، أَبِي الزِّمَامِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَةِ لُطْفِهِ وَغَرَائِبِهِ، وَلَا طَرِيقَ إلَى الْإِحَاطَةِ بِطُرَفِهِ وَعَجَائِبِهِ، إلَّا لِمَنْ أَقْبَلَ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَتَحْصِيلِهِ، وَشَدَّ حَيَازِيمَهُ لِلْإِحَاطَةِ لِجُمْلَتِهِ وَتَفْصِيلِهِ، بَعْدَ أَنْ رُزِقَ فِي اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ ذِهْنًا جَلِيًّا، وَذَرْعًا مَنْ هُوَ أَجَسُّ أَضَالِيلِ الْمُنَى خَلِيًّا، وَقَدْ تَبَحَّرَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ وَالْفُرُوعِ، وَأَحَاطَ بِمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَسْمُوعِ.
وَقَدْ سَأَلَنِي إخْوَانِي فِي الدِّينِ، وَأَعْوَانِي عَلَى طَلَبِ الْيَقِينِ، أَنْ أَكْتُبَ لَهُمْ شَرْحًا يَكْشِفُ عَنْ أَوْجُهِ غَوَامِضِ مَعَانِيهِ نِقَابَهَا، وَيَرْفَعُ عَنْ اللَّطَائِفِ الْمُسْتَتِرَةِ فِي مَبَانِيهِ حِجَابَهَا، وَيُوَضِّحُ مَا أُبْهِمَ مِنْ رُمُوزِهِ وَإِشَارَاتِهِ الْمُعْضِلَةِ، وَيُبَيِّنُ مَا أُجْمِلَ مِنْ أَلْفَاظِهِ وَعِبَارَاتِهِ الْمُشْكِلَةِ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنِّي لَمَّا اسْتَسْعَدْت بِخِدْمَةِ شَيْخِي، وَسَيِّدِي وَسَنَدِي وَأُسْتَاذِي وَعَمِّي، وَهُوَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ الرَّبَّانِيُّ، وَالْقَرْمُ الْمُدَقِّقُ الصَّمَدَانِيُّ، نَاصِبُ رَايَاتِ الشَّرِيعَةِ، كَاشِفُ آيَاتِ الْحَقِيقَةِ، فَتَّاحُ أَقْفَالِ الْمُشْكِلَاتِ، كَشَّافُ غَوَامِضِ الْمُعْضِلَاتِ، فَخْرُ الْحَقِّ وَالدِّينِ، مَلَاذُ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَالَمِينَ، قُطْبُ الْمُتَهَجِّدِينَ، خَتْمُ الْمُجْتَهِدِينَ، مُحَمَّدُ بْنُ إلْيَاسِ الْمَايَمُرْغِيُّ أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْهِ سِجَالَ إنْعَامِهِ وَغُفْرَانِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهِ شَآبِيبَ إكْرَامِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَنَشَأْت فِي حِجْرِهِ بِرَوَاتِبِ بِرِّهِ وَأَفْضَالِهِ، وَرُبِّيتُ فِي بَيْتِهِ بِصَنَائِعِ جُودِهِ وَنَوَالِهِ، لَعَلِّي فُزْت بِدُرَرٍ مَنْ غُرَرِ فَرَائِدِهِ.
وَأَخَذْتُ حَظًّا وَافِرًا مِنْ مَوَائِدِ فَوَائِدِهِ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مُخْتَصًّا مِنْ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ بِاتِّفَاقِ الْأَنَامِ بِتَحْقِيقِ دَقَائِقِ مُصَنَّفَاتِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَاسْتَعْفَيْتُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْخَطِيرِ وَتَشَبَّثْتُ بِأَهْدَابِ الْمَعَاذِيرِ، عِلْمًا مِنِّي بِأَنِّي لَسْت مِنْ فُرْسَانِ هَذَا الْمَيْدَانِ، وَلَا لِي بِالْإِبْلَاءِ فِي مَوَاقِفِهِ يَدَانِ، وَأَيْنَ أَنَا مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَحَيَّرَتْ الْفُحُولُ فِي حَلِّ مُشْكِلَاتِهِ، بَعْدَ تَهَالُكِهِمْ فِي بَحْثِهِ وَتَنْقِيرِهِ، وَعَجَزَتْ التَّحَارِيرُ عَنْ دَرْكِ مُعْضِلَاتِهِ، مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَتَفْكِيرِهِ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إلَّا الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِلْحَاحِ عَلَيَّ، وَالْإِقَامَةَ فِي مَوَاقِفِ الِاقْتِرَاحِ لَدَيَّ، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا مِنْ إنْجَاحِ مَسْئُولِهِمْ، وَلَا مَنْدُوحَةَ عَنْ تَحْقِيقِ مَأْمُولِهِمْ، فَأَجَبْتهمْ إلَى مُلْتَمَسِهِمْ تَفَادِيًا مِنْ عُقُوقِهِمْ، وَسَعْيًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute