وَلَمَّا سَبَقَ أَنَّ أَصْلَ الشَّرْعِ التَّوْحِيدُ وَالْإِيمَانُ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ الِاعْتِقَادُ وَالْأَدَاءُ فِيهِ رُكْنٌ ضُمَّ إلَيْهِ فَصَارَتْ عُمْدَةَ الشَّرْعِ وَهُوَ أَسَاسُ الدِّينِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَالتَّعَدِّيَ مِنْ الْبَشَرِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَارَ غَيْرُهُ عُرْضَةً لِلْعَوَارِضِ وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ جِنْسِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَمِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمًا آخَرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِأَصْلِهِ لَكِنَّ دَلِيلَ السُّقُوطِ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ وَعَارَضَهُ أَمْرٌ فَوْقَهُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِإِثْبَاتِ الرُّخْصَةِ وَالْعَمَلُ وَجَبَ بِأَصْلِهِ بِأَنْ جُعِلَ أَصْلُهُ عَزِيمَةً وَهَذَا كَمَنْ أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ حُلَّ لَهُ تَنَاوُلُ طَعَامِ غَيْرِهِ رُخْصَةً لَا إبَاحَةً مُطْلَقَةً حَتَّى إذَا تَرَكَ فَمَاتَ كَانَ شَهِيدًا بِخِلَافِ طَعَامِ نَفْسِهِ وَإِذَا اسْتَوْفَاهُ ضَمِنَهُ لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا فِي نَفْسِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ تَنَاوُلِ مَحْظُورِ الْإِحْرَامِ عَنْ ضَرُورَةٍ بِالْمُحْرِمِ أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ وَيَضْمَنُ الْجَزَاءَ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
ــ
[كشف الأسرار]
تَبْدِيلِهِ بِضِدِّهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِوَجْهٍ وَلَا يَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ الدَّاعِيَةَ إلَى التَّرَخُّصِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ التَّعَدِّي مِنْ الْبَشَرِ.
وَالرُّكْنُ الثَّانِي الْأَدَاءُ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَحُرْمَةُ تَبْدِيلِهِ بِضِدِّهِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّرَخُّصَ لِاحْتِمَالِهِ التَّعَدِّي مِنْ الْبَشَرِ فَهَذَا الرُّكْنُ هُوَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورِينَ وَالثَّانِي مِنْهُمَا مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي نَفْسِهِ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلُ السُّقُوطِ بَقِيَ فَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يَثْبُتُ التَّرَخُّصُ فِيهِ مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَحُرْمَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي ذَاتِهَا كَمَا سَقَطَتْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلُ السُّقُوطِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ بَقِيَتْ فَتَثْبُتُ الرُّخْصَةُ مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الرُّكْنَ الْأَوَّلَ مِنْ إيمَانٍ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ رُخْصَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقِسْمَ فِي بَيَانِ مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّرَخُّصَ مَعَ تَحْقِيقِ الضَّرُورَةِ وَهَذَا الرُّكْنُ لَا يَحْتَمِلُ التَّرَخُّصَ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ التَّعَدِّي مِنْ الْبَشَرِ الْمُؤَدِّي إلَى الضَّرُورَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ الْقِسْمِ وَلِمَا سَبَقَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَلِأَنَّ فِيهِ أَيْ فِي الْإِيمَانِ رُكْنًا ضُمَّ إلَى الِاعْتِقَادِ أَيْ هُوَ رُكْنٌ زَائِدٌ وَصَارَ غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَعَارَضَهُ أَيْ هَذَا الْقِسْمَ أَمْرٌ آخَرُ فَوْقَهُ وَهُوَ تَلَفُ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ أَيْ بِالْأَمْرِ الَّذِي فَوْقَهُ وَهُوَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ التَّلَفِ وَالْعَمَلُ وَجَبَ بِأَصْلِهِ أَيْ بِأَصْلِ الْحَقِّ بِإِبْقَاءِ الْحُرْمَةِ وَهَذَا أَيْ إبْقَاءُ الْعَزِيمَةِ وَإِثْبَاتُ التَّرَخُّصِ بِالْإِكْرَاهِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِثْلَ إثْبَاتِ التَّرَخُّصِ وَإِبْقَاءِ الْعَزِيمَةِ بِالْمَخْمَصَةِ فِيمَنْ اُضْطُرَّ إلَى تَنَاوُلِ طَعَامِ الْغَيْرِ حَيْثُ ثَبَتَ لَهُ التَّنَاوُلُ رُخْصَةً لَا إبَاحَةً مُطْلَقَةً وَلَا يَصِيرُ كَطَعَامِ نَفْسِهِ فِي الْإِبَاحَةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالتَّنَاوُلِ لَوْ صَبَرَ كَانَ مَأْجُورًا بِخِلَافِ طَعَامِ نَفْسِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute