ألا لله الحمد كل الحمد، وعلى النبي الكريم وسائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة والتسليم. وبعد: فقد رأى النور كتابي هذا منذ ربع قرن، حين كانت المصادر الصرفية المحققة نادرة، فلقي الترحاب والاهتمام والتقدير في الأوساط العلمية، لما يمتاز به من أسلوب مشرق وعرض يسير ونفَس أندلسي لطيف، خلافًا لنظائره التي هي متون مكثفة معقدة، أو شروح على المتون تداخلت فيها الأحكام وتكررت بالتعبير الصلب العنيد.
وتوالت الطبعات من هذا الكتاب، بعون الله تعالى، منسوخة مصورة دون أن يدخلها تعديل جوهري، وأنا أرجع إليها بالمطالعة والمتابعة، أرصد ما فيها من حاجة إلى الإصدار الجديد المتقن القويم، وأجمع الملاحظات والمعلومات اللازمة لذلك. وكان في نشر المصادر الصرفية المتوالية مورد غني، أمدني بكثير من التوجيهات والأضواء الميسرة لما أتطلع إليه. أضف إلى هذا متابعتي دراسة هذا العلم وتدريسه نظريًّا وعمليًّا في الجامعات العربية وغيرها، مما يهيئ لي منافذ للوضوح والدقة والاستيعاب.
ثم جاءت البادرة الطيبة من الزملاء الكرام، المشرفين على "دار مكتبة لبنان" بالرغبة في إخراج الكتاب إخراجه لائقة به في الشكل والمضمون والتدقيق، ليصار إلى إعادة رصف حروفه وتغميره بالجودة والأناقة والغنى العلمي السديد، فكانت فرصة سائغة، يسرت لي أن أجمع شتات ما تناثر لدي من الآمال والرغبات والمراجعات، وأنصرف إلى الإخراجة القديمة المكررة، بالإغناء والتصويب والتسديد.
وأول ما شغلت به هو النصوص الملحَقة بنسخة "فيض الله"، من زيادات ابن عصفور، فقد كان صنف "الممتع" للأمير عبد الله بن عبد العزيز، في إشبيلية بين عامي ٦٢٥ و٦٢٩، في صورة مختصرة بدائية، ثم تابع إغناءه بالمواد العلمية سنة بعد سنة، يُلحقها بحواشي نسخته بخطه، حتى وافته المنية سنة ٦٩٩. وفي خلال ذلك كانت النسخ تتولد من الكتاب، وكل منها يحمل الزيادات التي سجلت آنذاك. ولذا رأينا الخلاف الكبير بين النسخ التي وصلت إلينا نماذج