منها أو من نصوصها، في الزيادة والنقص والتعديل والتصويب، فكان منها ما يحمل صور تطور الكتاب بين يدي مؤلفه وثقافته وعلمه.
والواقع أن أبا حيان النحوي اطلع على الصورة الأخيرة من نسخة المؤلف نفسه، وعبر عنها بالنسخة الجديدة، وأطلق عليها اسم"الممتع الكبير". ذلك لأن ابن عصفور كان قد ألحق بها عشرات وعشرات، من الأحكام والضوابط والأمثلة والتفسير والحجاج والاستدلال، وبعض الأبواب الكاملة مما يحتاج إليه الكتاب، وأجرى تعديلات في كثير من التعبير والاقتباس والإحالات، وصوب بعض الأحكام والقيود والشواهد والأمثلة، وضرب على عدد وافر من النصوص لأنها لا تفي بالمراد. وقد وقف أبو حيان على هذا كله في "الممتع الكبير"، ورأى فيه زادًا غنيًّا تفتقر إليه نسخته التي يمتلكها ويرعاها بالتسديد والعناية، فنقل تلك الزيادات والتعديلات إلى حواشي نسخته، حتى صارت نموذجًا وافيًا بالإخراجة الأخيرة للكتاب، كما أرادها ابن عصفور.
ولما حققت الكتاب في طبعاته الماضية وقفت على تلك الحواشي الغنية، وضقت بما فيها من خروم وغيمومة وتداخل، فاستقيت ما تيسر لي منها وألحقته بالنص، وأشرت إلى الباقي في التعليقات، على أمل أن أجد نسخة كاملة تحل ما في الحواشي من النقائص والصعوبات، ولكن الظروف لم تسعفني بذلك، فرجعت إلى تلك النصوص بالتتبع والتدقيق والتحليل والتركيب، مستأنسًا بالمصادر التراثية المنشورة مؤخرًا، حتى انقادت لي الجمهرة الغفيرة من الحواشي هذه، فأثبتها في مواضعها من النص، وجعلت ما تعذرت قراءته بين معقوفين للدلالة على اجتهادي، أو في عبارات مقتضبة في التعليقات. وبهذا أكون -والحمد لله- قد استوفيت الإخراجة النهائية لكتاب ابن عصفور، وأصبح النص المنشور قبل في غضون ربع قرن من الرعاية والتوجيه والتنمية قد شب عن الطوق، بعد أن كان وليدًا غرًّا، وحق لي أن أجعل اسمه في هذه الطبعة "الممتع الكبير" كما ذكر أبو حيان.
ثم رجعت إلى النص مرارًا بالقراءات المختلفة، لأتلمس مواطن القصور في الطبعات الماضية، وملامح الضعف في مظاهر التحقيق والإخراج والتيسير، فتجمع لدي ألوان غفيرة من ذلك، تقتضي التبصر والتدقيق لإجراء التعديلات اللازمة. وكان عن ذلك أن أصبح للنص توزيع جديد في بعض المواطن، يناسب الملحقات وما تخلل السياق من لفظ، يملأ صحفة أو فقرات أو أسطرًا أو عبارات أو كلمات.
ورصدت ما كان من تطبيعات وخلل في الإخراج، فقومت سبيله وخلصته من شوائبه، فإذا بي أعيد ضبط الكلمات في النثر والشعر بما يناسب الواقع الثقافي الآن، فتُثبَّت الحركات