للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".

ــ

ليس كلُّ من فيه خصلة من خصال النفاق يكون منافقاً خالصاً، وإنما تكون فيه خصلة من خصال النفاق.

فالخصلة الأولى: "الطعن في النسب" تقدم الكلام عليه في باب سابق.

والخصلة الثانية: "النِّياحة على الميِّت" والنياحة معناها: إظهار الجَزَع على الميت، كما كان أهل الجاهلية يفعلونه.

والمطلوب والواجب: الصبر على موت الأقارب أو موت الأحباب.

ولا يمنع هذا أن الإنسان يتألّم ويبكي، فالبكاء لا مانع فيه، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكى على ابنه إبراهيم، وقال: "إن العين تَدْمَع، والقلب يحزن، ولا نقول إلاَّ ما يُرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون". وهذا من الرحمة، وأيضاً هذا لا يستطيع الإنسان حبسه.

فالآية دلّت على أن الصبر والرضى من خصال الإيمان، والحديث دلّ على أن الجزع من المصيبة وإظهار الجزع أنه من خصال الكفر؛ فهما متضادّان.

قال: ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب" إلخ.

قوله: "ولهما" أي: البخاري ومسلم.

"عن ابن مسعود مرفوعاً" أي: إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

"ليس منا" هذه الكلمة كثيراً ما تأتي عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على معاص تصدُر من النّاس من باب التحذير منها، مثل قوله: "من غشّنا فليس منا"، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليس منا من تشبّه بغيرنا"، ومنه هذا الحديث.

وهذه الكلمة "ليس منا" معناها: البراءة ممّن فعل ذلك، ولكن ليس معناها أنه يخرُج من الإسلام، وإنما معناها: التنفير من هذا العمل. وأحسن ما يُقال فيها: أنها من ألفاظ الوعيد، ولا تُفسّر، لكن مع اعتقاد أنّ هذا لا يدل على الخروج من الدين لأدلّة أخرى دلَّت على أن أصحاب الكبائر التي دون الشرك لا يخرجُون من الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>