والنياحة من الكبائر، لكنها دون الشرك؛ فلا تُخرِج من الدين.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من ضرب الخدود" ضرب الخدود جزعاً من المصيبة كفعل الجاهلية. لأن المشروع الصبر، وهذا عكسه، وهذا من باب الغالب.
"وشَقَّ الجيوب" أي: جيوب الثياب؛ جزعاً من المصيبة.
"ودعا بدعوى الجاهلية" يعني: نادى عند المصيبة بالألفاظ التي تقولها الجاهلية، والمراد بالجاهلية: ما كان قبل بِعْثة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وقت الفترة. فلا يجوز أن نقول بعد بعثة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النّاس في الجاهلية، أو النّاس في جاهلية جهلاء. هذا لا يجوز أبداً، لأن الله رفع الجاهلية ببعثة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن: قد تبقى خصالٌ من خصال الجاهلية، فيقال- مثلاً-: هذا من الجاهلية، وهذا من خصال الجاهلية. وليس مَنْ قام به خصلة من خصال الجاهلية يكون من أهل الجاهلية. فلا يجوز إطلاق الجاهلية بعد بِعثة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن دعوى الجاهلية: أن يتلفّظ بألفاظ الجاهلية، كأن ينادي ويقول: واعضداه، وانصيراه، واكذا وكذا. وكذا إثارة العصبيات والقوميات والحزبيات، وما إلى ذلك. كل ذلك من دعوى الجاهلية. وكذا التعصب للأقوال والمذاهب التي لا دليل عليها.
قال ابن القيِّم رحمه الله:"المراد بدعوى الجاهلية: كل من تعصّب إلى مذهب، أو تعصّب إلى قبيلة".
فالعصبية الجاهلية والنخوة الجاهلية كلُّه يدخل في دعوى الجاهلية، فلا يجوز للمسلم أنه يتعصّب لأحد العلماء أو لأحد المذاهب ولا يقبل غير هذا المذهب أو لا يقبل غير هذا الرجل من العلماء، فهذه عصبية جاهلية. أو يتعصّب لقبيلته إذا كانت على خطأ، كما يقول الشاعر:
وهل أنا إلاَّ من غَزِيّة إنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ وإن تَرْشَد غزية أَرْشَد
والواجب على المسلم: أن يَتْبع الحق سواء كان مع إمامه أو مع غيره، وسواء كان مع قبيلته أو مع غيرها، والله سبحانه وتعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} .