للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أقبل وهو راكب [على حمار] (١) قد وطَّؤوا له عليه، جعل الأوس يلوذون به ويقولون: يا سعد، إنهم مواليك، فأحسن فيهم. ويرققونه عليهم ويعطفونه، وهو ساكت لا يرد عليهم. فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم. فعرفوا أنه غير مستبقيهم، فلما دنا من الخيمة التي فيها رسول الله قال رسول الله : "قوموا إلى سيدكم". فقام إليه المسلمون، فأنزلوه إعظاما وإكراما واحتراما له في محل ولايته، ليكون أنفذ لحكمه فيهم. فلما جلس قال له رسول الله : "إن هؤلاء -وأشار إليهم -قد نزلوا على حكمك، فاحكم فيهم بما شئت". قال: وحكمي نافذ عليهم؟ قال: "نعم". قال: وعلى مَنْ في هذه الخيمة؟ قال: "نعم". قال: وعلى مَنْ هاهنا. -وأشار إلى الجانب الذي فيه رسول الله -وهو معرض بوجهه عن رسول الله إجلالا (٢) وإكرامًا وإعظامًا -فقال له رسول الله : "نعم". فقال: إني أحكم أن تقتل مُقَاتلتهم، وتُسبْى ذريتهم وأموالهم. فقال له رسول الله : "لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة" (٣). وفي رواية: "لقد حكمتَ بحكم المَلك". ثم أمر رسول الله بالأخاديد فَخُدّت في الأرض، وجيء بهم مكتفين، فضرب أعناقهم، وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة، وسبى مَنْ لم يُنبت منهم مع النساء وأموالهم (٤)، وهذا كله مقرر مفصل بأدلته وأحاديثه وبسطه في كتاب السيرة، الذي أفردناه موجزا ومقتصَّا (٥). ولله الحمد والمنة.

ولهذا قال تعالى: (وَأَنزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ) أي: عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) يعني: بني قريظة من اليهود، من بعض أسباط بني إسرائيل، كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديما، طَمَعًا في اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩]، فعليهم لعنة الله.

وقوله: (مِنْ صَيَاصِيهِم) يعني: حصونهم. كذا قال مجاهد، وعِكْرِمة، وعطاء، وقتادة، والسُّدِّي، وغيرهم (٦) ومنه سميت صياصي البقر، وهي قرونها؛ لأنها أعلى شيء فيها.

(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ): وهو الخوف؛ لأنهم كانوا مالؤوا المشركين على حرب رسول الله (٧) ، وليس مَنْ يعلم كمن لا يعلم، فأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليَعزّوا (٨) في الدنيا، فانعكس


(١) زيادة من ت، ف، والبداية والنهاية.
(٢) في ت: "إجلالا له".
(٣) رواه ابن إسحاق في السيرة كما في البداية والنهاية (٤/ ١٢٣) من طريق عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن عمر، عن علقمة بن وقاص قال: قال رسول الله فذكره، وأظن في السند خطأ. ورواه ابن سعد في الطبقات (٣/ ٤٢٦) من طريق محمد بن صالح التمار، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات"، وأصله في صحيح البخاري من دون قوله: "فوق سبع سموات" برقم (٣٠٤٣) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٤) السيرة النبوية لابن هشام (٢/ ٢٣٩).
(٥) في ت، ف، أ: "وبسيطا".
(٦) في ت: "كذا قال مجاهد وغير واحد من السلف" وفي أ: "كذا قال مجاهد وغيرهم من السلف".
(٧) في ف: "النبي".
(٨) في ت، ف، أ: "ليغزوهم".