للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (٢٧)﴾.

قد تقدم أن بني قريظة لما قدمت جنود الأحزاب، ونزلوا على المدينة، نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله من العهد، وكان ذلك بسفارة حُيَيّ بن أخطب النَّضَري -لعنه الله -دخل حصنهم، ولم يزل بسيدهم كعب بن أسد حتى نقض العهد، وقال له فيما قال: ويحك، قد جئتك بعز الدهر، أتيتك بقريش وأحابيشها، وغطفان وأتباعها، ولا يزالون هاهنا حتى يستأصلوا محمدا وأصحابه. فقال له كعب: بل والله أتيتني بذُلِّ الدهر. ويحك يا حيي، إنك مشؤوم، فدعنا (١) منك. فلم يزل يفتل في الذِّروة والغَارب حتى أجابه، واشترط له حُيي (٢) إن ذهب الأحزاب، ولم يكن من أمرهم شيء، أن يدخل معهم في الحصن، فيكون له (٣) أسوتهم. فلما نَقَضت قريظةُ، وبلغ ذلك رسول الله ، ساءه، وَشَقَّ عليه وعلى المسلمين جدًّا، فلما أيد الله ونَصَر، وكبت الأعداء وردَّهم خائبين بأخسر صفقة، ورجع رسول الله إلى المدينة مؤيدا منصورا، ووضع الناس السلاح. فبينما رسول الله يغتسل (٤) من وعثاء تلك المرابطة في بيت أم سلمة إذ تبدى له جبريل معتجرا بعمامة من إستبرق، على بغلة عليها قطيفة [من] (٥) ديباج، فقال: أوضَعت السلاح يا رسول الله؟ قال: "نعم". قال: لكن الملائكة لم تضع أسلحتها، وهذا الآن رجوعي من طلب القوم. ثم قال: إن الله يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة. وفي رواية فقال له: عذيرَك من مقاتل، أوضعتم السلاح؟ قال: "نعم". قال: لكنا لم نضع أسلحتنا بعد، انهض إلى هؤلاء. قال: "أين؟ ". قال: بني قريظة، فإن الله أمرني أن أزلزل عليهم. فنهض رسول الله من فوره، وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة، وكانت على أميال من المدينة، وذلك بعد صلاة الظهر، وقال: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة". فسار الناس، فأدركتهم الصلاة في الطريق، فصلى بعضهم في الطريق وقالوا: لم يرد منا رسول الله إلا تعجيل السير، وقال آخرون: لا نصليها إلا في بني قريظة. فلم يُعَنِّف واحدا من الفريقين. وتبعهم رسول الله ، وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب. ثم نازلهم رسول الله وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، فلما طال عليهم الحال، نزلوا على حكم سعد بن معاذ -سيد الأوس -لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية، واعتقدوا أنه يحسن إليهم في ذلك، كما فعل عبد الله بن أبي بن سلول في مواليه بني قينقاع، حين استطلقهم من رسول الله ، فظن هؤلاء أن سعدا سيفعل فيهم كما فعل ابن أبي في أولئك، ولم يعلموا أن سعدا، ، كان قد أصابه سهم في أكحَله أيام الخندق، فكواه رسول الله في أكحله، وأنزله في قبة في المسجد ليعوده من قريب. وقال سعد فيما دعا به: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها. وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها ولا تمتني حتى تُقرّ عيني من بني قريظة. فاستجاب الله دعاءه، وقَدّر عليهم أن نزلوا على حكمه باختيارهم طلبا من تلقاء أنفسهم، فعند ذلك استدعاه رسول الله من المدينة ليحكم فيهم، فلما


(١) في ت: "دعنا".
(٢) في أ: "حتى".
(٣) في ت: "لهم".
(٤) في ت: "يغسل رأسه".
(٥) زيادة من ت، ف، أ.