للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه.

وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش، به (١). ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية، عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا مع النبي (٢) في حَرْث، وهو متوكئ (٣) على عسيب، إذ مر اليهود (٤) فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رابكم (٥) إليه. وقال بعضهم: لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه. فقالوا سلوه فسألوه عن الروح، فأمسك النبي فلم يرد عليه شيئًا، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: (وَيَسْأَلُونَكَ (٦) عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الآية (٧).

وهذا السياق يقتضي (٨) فيما يظهر بادي الرأي: أن هذه الآية مدنية، وأنها إنما نزلت حين سأله اليهود، عن ذلك بالمدينة، مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا: بأنه قد يكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك، أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوا بالآية المتقدم إنزالها عليه، وهي هذه الآية: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ما قال الإمام أحمد:

حدثنا قتيبة، حدثنا يحيى بن زكريا، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح. فسألوه، فنزلت: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا) قالوا: أوتينا علمًا كثيرًا، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. قال: وأنزل الله: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: ١٠٩] (٩).

وقد روى ابن جرير، عن محمد بن المثنى، عن عبد الأعلى، عن داود، عن عكرمة قال: سأل أهلُ الكتاب رسولَ الله عن الروح، فأنزل الله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا) فقالوا يزعم (١٠) أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة، وهي الحكمة ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾؟ [البقرة: ٢٦٩] قال: فنزلت: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧]. قال: ما أوتيتم من علم، فنجاكم الله به من النار، فهو كثير طيب وهو في علم الله قليل (١١).

وقال محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا) فلما هاجر رسول الله إلى المدينة، أتاه أحبار يهود. وقالوا يا محمد، ألم


(١) المسند (١/ ٣٨٩) وصحيح البخاري برقم (١٢٥، ٧٤٦٢) وصحيح مسلم برقم (٢٧٩٤).
(٢) في ف: "مع رسول الله".
(٣) في ت، ف: "متكئ".
(٤) في ت، ف: "باليهود".
(٥) في ت، ف: "ما رأيكم".
(٦) في ت، ف: "يسألونك".
(٧) صحيح البخاري برقم (٤٧٢١).
(٨) في ت: "تقضي".
(٩) المسند (١/ ٢٥٥).
(١٠) في ت، ف: "تزعم".
(١١) تفسير الطبري (١٥/ ١٠٤).