للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال قتادة في قوله: (وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا) إنه لا ينتفع به ولا يحفظه (١) ولا يعيه، فإن الله جعل هذا القرآن شفاء، ورحمة للمؤمنين.

﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا (٨٤)﴾.

يخبر تعالى عن نقص الإنسان من حيث هو، إلا من عصم الله تعالى في حالتي سرائه وضرائه، بإنه إذا أنعم الله عليه بمال وعافية، وفتح ورزق ونصر، ونال ما يريد، أعرض عن طاعة الله وعبادته ونأى بجانبه.

قال مجاهد: بَعُد عنا.

قلت: وهذا كقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس: ١٢]، وقوله ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ﴾ [الإسراء: ٦٧].

وبأنه إذا مسه الشر -وهو المصائب والحوادث والنوائب - (كَانَ يَئُوسًا) أي: قنط أن يعود يحصل له بعد ذلك خير، كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ١٠، ١١].

وقوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) قال ابن عباس: على ناحيته. وقال مجاهد: على حدته وطبيعته. وقال قتادة: على نِيَّته. وقال ابن زيد: دينه.

وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى. وهذه الآية -والله أعلم -تهديد للمشركين ووعيد لهم، كقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ [هود: ١٢١، ١٢٢] ولهذا قال: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا) أي: منا ومنكم، وسيجزي كل عامل بعمله، فإنه لا تخفى عليه خافية.

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا (٨٥)

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عَلْقَمة، عن عبد الله -هو ابن مسعود -قال: كنت أمشي مع النبي في حرث في المدينة، وهو متوكئ على عَسِيب، فمر بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح. فقال بعضهم: لا تسألوه. قال: فسألوه عن الروح فقالوا (٢) يا محمد، ما الروح؟ فما زال متوكئًا على العسيب، قال: فظننت أنه يوحى إليه، فقال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا)


(١) في ف: "لا يحفظه ولا ينتفع به".
(٢) في ت: "فقال بعضهم".