للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جاءهم من الله الحق الذي لا مرية فيه ولا قبل لهم به، وهو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان والعلم النافع. وزَهَقَ باطلهم، أي اضمحل وهلك، فإن الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨].

وقال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن أبي (١) مَعْمر، عن عبد الله بن مسعود قال: دخل النبي مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نُصُبٍ، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد" (٢).

وكذا رواه البخاري أيضًا في غير هذا الموضع، ومسلم، والترمذي، والنسائي، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة به. (٣) [وكذا رواه عبد الرزاق عن الثوري عن ابن أبي نجيح] (٤).

وكذا رواه الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا شَبَابة، حدثنا المغيرة، حدثنا أبو الزبير، عن جابر ، قال: دخلنا مع رسول الله مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا (٥) يعبدون من دون الله. فأمر بها رسول الله فأكبت لوجهها، وقال: "جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقًا" (٦).

﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا (٨٢)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد -وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد -إنه: (شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي: يذهب ما في القلوب من أمراض، من شك ونفاق، وشرك وزيغ وميل، فالقرآن يشفي من ذلك كله. وهو أيضًا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه، فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة. وأما الكافر الظالم نفسه بذلك، فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعدًا وتكذيبًا وكفرًا. والآفة من الكافر لا من القرآن، كما قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٤، ١٢٥]. والآيات في ذلك (٧) كثيرة.


(١) في ت: "ابن".
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٧٢٠).
(٣) صحيح البخاري برقم (٢٤٧٨، ٤٢٨٧)، وصحيح مسلم برقم (١٧٨١) وسنن الترمذي برقم (٣١٣٨) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٢٩٧).
(٤) زيادة من أ.
(٥) في ت: "نصبا".
(٦) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (١٤/ ٤٨٧): حدثنا شبابة بن سوار به.
(٧) في ت، ف: "هذا".