للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكريمة: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) كما قال تعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ (١) فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٦]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ [يونس: ٩٦، ٩٧].

فقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ) أي: شأنه وأمره أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن؛ فلهذا قال: (لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) أي: من أضله فمن الذي يهديه من بعد الله؟ أي: لا أحد (وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) أي: ينقذونهم (٢) من عذابه ووثاقه، ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤].

﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)

يقول تعالى مخبرا عن المشركين: أنهم حلفوا فأقسموا (بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) أي: اجتهدوا في الحلف وغلظوا الأيمان على أنه (لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ) أي: استبعدوا ذلك، فكذبوا (٣) الرسل في إخبارهم لهم بذلك، وحلفوا على نقيضه. فقال تعالى مكذبا لهم وردا عليهم: (بَلَى) أي: بلى سيكون ذلك، (وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا) (٤) أي: لا بد منه، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي: فَلِجَهْلهم (٥) يخالفون الرسل ويقعون في الكفر.

ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد، فقال: (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ) أي: للناس (الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) أي: من كل شيء، و ﴿لِيَجْزِيَ (٦) الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١]، (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ) أي: في أيمانهم وأقسامهم: لا يبعث الله من يموت؛ ولهذا يدعون يوم القيامة إلى نار جهنم دعا، وتقول (٧) لهم الزبانية: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٤ - ١٦].

ثم أخبر تعالى عن قدرته (٨) على ما يشاء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإنما أمره إذا (٩) أراد شيئًا أن يقول له: "كن"، فيكون، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة، فيكون كما يشاء، كما قال (١٠) ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر: ٥٠] وقال: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨]، وقال في هذه الآية الكريمة: (إِنَّمَا قَوْلُنَا (١١) لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل: ٤٠]، أي: أن يأمر به دفعة (١٢) واحدة فإذا هو كائن،


(١) في ت: "ويمدهم" وهو خطأ.
(٢) في ت، ف، أ: "ينقذهم".
(٣) في ت، ف، أ: "وكذبوا".
(٤) في أ: "عليهم" وهو خطأ.
(٥) في أ: "فبجهلهم".
(٦) في ت، ف، أ: "ويجزى" وهو خطأ".
(٧) في ف، أ: "فيقول".
(٨) في ت: "عن قدرة".
(٩) في ف: "وأنه إذا".
(١٠) في ف، أ: "وقال".
(١١) في ت: "أمرنا" وهو خطأ.
(١٢) في أ: "مرة".