للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كما قال الشاعر (١):

إذا ما أراد الله أمرًا فإنما … يقول له: "كن"، قولة فيكون

أي: أنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به، فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف، لأنه [هو] (٢) الواحد القهار العظيم، الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء، فلا إله إلا هو ولا رب سواه.

وقال ابن أبي حاتم: ذكر (٣) الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيْج، أخبرني عطاء: أنه سمع أبا هريرة يقول: قال الله تعالى: سَبَّني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، فأما تكذيبه إياي فقال: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ) قال: وقلت: (بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) وأما سبه إياي فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣]، وقلت: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [سورة الإخلاص] (٤).

هكذا (٥) ذكره موقوفا، وهو في الصحيحين مرفوعا، بلفظ آخر (٦).

﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)

يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته، الذين فارقوا الدار والإخوان والخلان، رجاء ثواب الله وجزائه.

ويحتمل أن يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة في مُهاجرة الحبشة الذي اشتد أذى قومهم لهم بمكة، حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة، ليتمكنوا من عبادة ربهم، ومن أشرافهم: عثمان بن عفان، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله ، وجعفر بن أبي طالب، ابن عم الرسول (٧) وأبو سلمة بن عبد الأسد (٨) في جماعة قريب من ثمانين، ما بين رجل وامرأة، صديق وصديقة، وأرضاهم. وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) قال ابن عباس والشعبي، وقتادة: المدينة. وقيل: الرزق الطيب، قاله مجاهد.

ولا منافاة بين القولين، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرًا منها (٩) في الدنيا، فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله بما هو خير له منه (١٠) وكذلك وقع فإنهم مكن الله لهم في البلاد


(١) مضى البيت عند تفسير الآية: ١١٧ من سورة البقرة.
(٢) زيادة من ت، ف، أ.
(٣) في ت: "ذكره".
(٤) ورواه الطبري في تفسيره (١٤/ ٧٣) من طريق حجاج به موقوفا.
(٥) في ت: "هذا".
(٦) صحيح البخاري برقم (٤٩٧٤) ولفظه: "قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد".
(٧) في ف، أ: "ابن عم رسول الله ".
(٨) في ف، أ: "عبد الأسود".
(٩) في ت، ف، أ: "منه".
(١٠) في ت، ف، أ: "منه في الدنيا".