للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يخبر تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه من الشرك واعتذارهم محتجين بالقدر، في قولهم: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) أي: من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك، مما كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء (١) أنفسهم، ما لم ينزل الله به سلطانا.

ومضمون كلامهم: أنه لو كان تعالى كارهًا لما فعلنا، لأنكره علينا بالعقوبة ولما مكنا (٢) منه. قال الله رادًا عليهم شبهتهم: (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي: ليس الأمر كما تزعمون أنه لم يعيره عليكم (٣) ولم (٤) ينكره، بل قد أنكره عليكم أشد الإنكار، ونهاكم عنه آكد النهي، وبعث في كل أمة رسولا أي: في كل قرن من الناس وطائفة رسولا وكلهم يدعو (٥) إلى عبادة الله، وينهى (٦) عن عبادة ما سواه: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك، منذ حدث الشرك في بني آدم، في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب، وكلهم كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥]، وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) فمشيئته تعالى الشرعية منتفية (٧)؛ لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، وأما مشيئته الكونية، وهي (٨) تمكينهم من ذلك قدرا، فلا حجة لهم فيها (٩) لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة.

ثم إنه تعالى قد أخبر أنه عير (١٠) عليهم، وأنكر (١١) عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل؛ فلهذا قال: (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي: اسألوا (١٢) عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق كيف ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد: ١٠]، ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [الملك: ١٨].

ثم أخبر الله تعالى رسوله أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم، إذا كان الله قد أراد إضلالهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [المائدة: ٤١]، وقال نوح لقومه: ﴿وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: ٣٤]، وقال في هذه الآية


(١) في ف: "من قبل".
(٢) في ت: "ولما مكننا"، وفي ف: "ولا مكننا".
(٣) في ت، أ: "لم يعير".
(٤) في أ: "ولا".
(٥) في ف" "يدعون".
(٦) في ف: "وينهون".
(٧) في ف: "منفية".
(٨) في ف: "فهي".
(٩) في ت، ف، أ: "فيه".
(١٠) في أ: "عيره".
(١١) في أ: "وأنكره".
(١٢) في أ: "فاسألوا".