والفريقان متساويان في المعرفة بالله، والرغبة إليه والمخافة، وعواقب الظلم، وهم مع تلك المعرفة كفرة، إلا أن السودان أهل كتاب، وليس لقريش في ذلك الوقت كتاب، وهم مجمعون على النصرانية وقريش مختلفة، والسودان مندوب بالظلم لما جير على بيعتهم باليمن، فجاؤوا منتصرين، وقريش هم الجانون، فهل يخفى على ذي نظر ولب [١٤٠/أ] أن المراد بذلك محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما أرهصه الله فيه وفي أمته المهتدين به، فإن قالوا إن أمر الفيل باطل موضوع ولم يك فيل ولا طير، وليس يذكر بينهم وجها لذا أعرضنا عن الأخبار السابقة من كل وجه، وعن الشعر القديم ورجعناهم إلى كتاب الله ودلالته، فإنه يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} [الفيل: ١، ٢]، إلى آخر السورة يريد:(ألم تر كيف صنع ربك بهم)، والقصد بقول ألم تعلم: إلى المشركين؛ لا إلى النبي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم واهتدى واعتبر، والمشركون هم المحتاجون إلى العظة والتنبيه والتقرير، بما عاينوه وعلموه من قدرة الله ولطفه ونعمته عليهم، يدفع عدوه عنهم، أفيجوز عنده أن يخاطبهم النبي بكلام عن الله - عز وجل -! ويقررهم فيه بعلمهم شيئا، وهم لا يعلمونه، أفلا قالوا له: ما علمت ولا علمنا هذا الذي تذكر، ولا رأيناه ولا رآه آباؤنا؛ وارتد المسلم وأدبر عنه المقبل، واستبصر في أمره الشاك.