فإذن أنتم أيها السادة الكرام مطلوب منكم أن توجهوا الناس ولكن قد نختلف كلنا في العلل في الحقيقة، لا في النص، والعلل كما تعلمون قد تكون سبباً للاختلاف في الأحكام كما في القضايا الربوية. فهنالك من اعتبر المكيلات هي الأساس وهناك من اعتبر الكيل والوزن، وهناك من اعتبر عللاً أخرى، فباختلاف العلل، لأن العلل كما قال ابن تيمية وابن القيم الجوزية فيما أذكر، أنها هي أدلة غير قطعية إذا لم تكن العلة منصوصاً عليها، فكل إمام بقدر ما وهبه الله استطاع أن يتكلم في العلة، ولكن عندما تختلف في الربويات العلة عند الحنفية مثلاً الكيلي والوزني، بينما العلة عند الآخرين الوزن والطعم، وعند آخرين، فنجد بحسب العلة ما هو مباح عنده، قد يكون محرماً عند الأخر، ولكنه ما دام في اجتهادهم فما أحد من الأئمة رضي الله عنهم، جعلوا ذلك سبباً بالتخيير الذي ابتدأنا نشعر به في هذه الأوقات مع بعض الإخوان الذين في مختلف الأقطار الإسلامية، ما نشك في إيمانهم وإسلامهم، ولكن التوتر في الأعصاب على أن ما فهموه هو الحق، والآخر الباطل، وابتدأوا بالتكفير، وهذه ستكون هزيمة للإسلام في الوقت هذا. وإننا في عصر تفتحت فيه العقول وهي تريد القضاء على الأساطير والأخذ بالعلم وليس هناك من جيل يدعو للاعتماد في دعوته ورسالته وفي أحكامه باسم الإسلام. فالاعتماد أولاً وأخيراً على العقل في أعظم شيء يجب أن نعتقد فيه وهو الله وكذلك على العلم وهو أول آية نزلت في الوحي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} ، نبه العقل أن يعرف أصله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
أنا آسف أني تكلمت بين سادة من سادات العلم ولست هنا معلما وإنما متعلم، ولذلك ألح وأرجو أن نتخذ في خلافاتنا هنا مكاناً لنأخذ ما يمكن أن نأخذه من الآراء حسب الأكثرية، ولكن يقال هنالك رأي آخر وله أيضاً وجهة ولم أجد بمثله في كتب أصول الفقه، لأننى عرفت كل البضاعة في الفروع بالاعتماد على الأصول، فالحنبلية هم الوحيدون الذين وجدت في كتبهم من يقول: على المفتي إذا كان مجتهداً في الفرع وفي الحكم بالنسبة للمستفتي لأنه يجب أن تكون الفتوى مصلحة لحال المستفتى، فإذا كان مفتياً عن اجتهاد فيقول: هذا رأيي ولكن هناك رأي آخر، فالمستفتي عندئذ يقع بين أن يجد أمامه فسحة لأن يأخذ بأحد الرأيين ما يصلح به نفسه ولنحذر من أن نعتقد أن الرأي الذي بني على الاجتهاد مما يخالف مثلاً اجتهادنا أن نعتقد بأنه باطل وأن نتهمه كما نتهم أصحاب الكفر {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} ، هذا يا أخي في قضايا النصوص.