فأما المعنى الأول لجمع الخلق، فإن كان هو المعتمد لدى أولئك الباحثين، فإنه صريح بأن الذي يستغرق أربعين يوماً هو ذلك الجمع المنقول عن ابن مسعود أو عن بعض الرواة عنه، ولا يدخل فيه العلقة ولا المضغة. وأما المعنى الثاني لجمع الخلق الوارد في الحديث، فإن كان هو المراد، فإن معنى الشطر الأول من الحديث أن التخطيط الخفي يستغرق أربعين يوماً. فإذا كانت العلقة أمراً مختلفاً عن ذلك الجمع، فكيف توضع في ذلك الظرف الزماني الذي يملؤه كله جمع الخلق، فإنها لو وضعت معه لما صح أن جمع الخلق يستغرق أربعين يوماً، بل ينبغي أن يكون أقل من ذلك حتى يكون هناك متسع للعلقة والمضغة؛ وأصل ذلك أن الظرف سواء أكان زمانياً أم مكانياً لا بد له من متعلق، ولا يوجد أدق شك في أن متعلق الظرف المكاني "بطن الأم " والظرف الزماني "أربعين يوماً هو الفعل "يجمع "، فإذا كان كذلك تعين أن تكون الأربعون يوماً ظرفاً زمانياً لفعل الجمع، وأن هذا الفعل يستغرق جميع تلك المدة. فإن كان معناه ما ذكر آنفاً لم يكن مجال لأن يشترك معه تصير الجنين علقة وتصيره مضغة، إلا أن يحمل النص النبوي ما لا يحتمله.
فإن قيل: إن تصيير الجنين علقة وتصييره مضغة داخل في مفهوم الجمع، فالجواب: أن هذا ترده صيغة البيان النبوي في الحديث الشريف؛ حيث عطف هذا التصيير على جمع الخلق بثم؛ وهذا الأسلوب قطعي في دلالته على أن ذلك التصيير يحدث بعد جمع الخلق مرتباً عليه، وليس داخلاً فيه. ولو كان داخلاً فيه لاستعمل الرسول صلى الله عليه وسلم الحرف الذي وضع في لغة العرب للتفسير والتفصيل وهو الفاء، وذكر قبله المجمل وبعده التفسير المفصل لمراحل الجنين الثلاث بأن قال:((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً: فيكون فيها نطفة ثم علقة ثم مضغة)) . وأما "ثم" فإنه حرف عطف يفيد مغايرة المعطوف للمعطوف عليه، ولا يحتمل دخول الأول في الثاني دخول الجزء في الكل، وما دام الظرف الزماني في الحديث، وهو الأربعون يوماً، قد ذكر بعد المعطوف عليه وقبل المعطوف بثم، فإنه يكون ظرفاً للمعطوف عليه، ولا يكون ظرفاً للمعطوف.