للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما على الروايات الأخرى، وهي التي لم يذكر فيها كلمة نطفة، فلا سبيل أيضاً إلى إعادة اسم الإشارة الأول إلى الظرف الزماني؛ إذ لو فعلنا ذلك لتعذر علينا معرفة مرجع اسم الإشارة الثاني الوارد في العبارة السابقة؛ لأن المشار إليه عندئذ لا يعدو أن يكون أمراً ذكر سابقاً، والأمور التي ذكرت قبل اسم الإشارة الأول هي الظرف الزماني "أربعين يوماً" والظرف المكاني "بطن الأم"، ونائب الفاعل للفعل "يجمع" وهو خلق الإنسان، والإنسان ذاته المعبر عنه بقوله "أحدكم". فأيها يصلح أن يكون مرجعاً لتلك الإشارة الثانية على فرض أن مرجع اسم الإشارة الأول الظرف الزماني؛ فأما الظرف الزماني فلا يمكن أن يكون مرجعاً للإشارتين في آن واحد. وأما الظرف المكاني فلا يمكن أيضاً؛ لأن المعنى يصير هكذا: "ثم يكون خلق أحدكم في تلك الأربعين مثل بطن أمه"، وهو غير مستقيم. وكذلك لا يصح أن يكون مرجعه نائب الفاعل؛ لأن المعنى يصبح هكذا: "ثم يكون خلق أحدكم في تلك الأربعين مثل خلق أحدكم " وهو غير سليم أيضاً. وكذلك الحال في إرجاع الإشارة إلى "أحدكم".

بقي أن يقال: ألا يمكن أن يكون المرجع هو المصدر المفهوم من قوله "يجمع خلقه"؟ والجواب أن ذلك غير ممكن أيضاً؛ لأنه يؤدي إلى التناقض بين معنى العبارة الأولى: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً" وبين العبارة التي تليها؛ إذ يصبح المعنى هكذا: (ثم يكون خلق أحدكم في تلك الأربعين علقة مثل ذلك الجمع) ، والمعنيان لا يلتقيان؛ وبيانه أن المراد بجمع الخلق أحد أمرين هما: الأول ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه من تفسيره بأن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشراً طارت في جسد المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين يوماً، ثم تنزل دماً في الرحم فذلك جمعها (١) وقد قيل عن هذا التفسير إئه ليس لابن مسعود وإنما هو لأحد رواة الحديث، نقله عنه بعضهم وأدرجه في الحديث حتى أوهم أنه من كلام ابن مسعود (٢) والتفسير الثاني للجمع ذكره ابن قيم الجوزية، وهو أقرب لكلام الأطباء في الماضي والحاضر، وهو أن المراد به تخطيط أعضاء الجنين وتصويرها تصويراً خفياً (٣)


(١) فتح الباري: ١١/ ٤١٩.
(٢) فتح الباري: ١١/ ٤١٩.
(٣) التبيان في أقسام القرآن: ص ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>