للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - وأما ما ذكره بعض الباحثين المعاصرين من أن رواية ابن مسعود شاذه، فهذه دعوى تحتاج إلى برهان، والبرهان قائم على ضدها؛ فقد ذكر ابن حجر في الفتح أن أحداً من رواة الحديث عن ابن مسعود لم يتفرد به عن شيخه؛ فقد رواه عن سليمان الأعمش عشرات ورواه مع الأعمش عن زيد بن وهب أكثر من واحد، ورواه مع زيد عن عبد الله بن مسعود أكثر من واحد أيضاً (١) ؛ فأين الشذوذ؛ وأين الرواية التي تفوق رواية ابن مسعود لموضوع الحديث؛ بل يقول ابن الصلاح - وهو من علماء الحديث - (أعرض البخاري عن حديث حذيفة بن أسيد، إما لكونه من رواية الطفيل عنه، وإما لكونه لم يره ملتئما مع حديث ابن مسعود، وحديث ابن مسعود لا شك في صحته) (٢) فإذا كان حديث ابن مسعود كما وصفه علماء الحديث، فالأولى إيراد الشك على ما لا يلتئم معه، على أن أكثر العلماء لم يروا تعارضاً بين الحديثين وجمعوا بينهما بطريقة أو بأخرى دون المساس بما اتفق عليه من وقت النفخ الوارد في حديث ابن مسعود.

٥ - وأما ما قيل من تأويل حديث ابن مسعود في رواية مسلم ليتفق مع ما ذهبوا إليه، بجعل المراد من اسم الإشارة الأول في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك)) الأربعين المذكورة قبله، وليس إلى "بطن أنه "، فإن هذا التأويل - فضلاً عن أنه لم يقل به أحد ممن شرح صحيح مسلم - لا يجد له أي سند من الناحية اللغوية، ولاً يستقيم به الكلام النبوي أبداً، وبيان ذلك:

أن العبارة المشار إليها فيها اسمان للإشارة، وينبغي أن يكون لكل منهما عائد يعود إليه، ولا يجوز الوقوف عند أحدهما في تحديد عائده حتى يعرف ما يعود إليه اسم الإشارة الأخر. وقبل الكلام في هذا الأمر لا بد من التنويه إلى أن جميع الروايات الصحيحة عن ابن مسعود لم يذكر فيها لفظ "النطفة"، وإنما وقع ذكرها في رواية واحدة عند "أبي عوانة" فقط، وقد وضعت بين لفظ "أحدكم" ولفظاً "الأربعين"؛ يعني هكذا: "إن أحدكم يجمع نطفة في بطن أمه أربعين يوماً" (٣)

فإذا عدنا إلى البحث عن مرجع اسمي الإشارة: فأما رواية أبي عوانة التي ذكر فيها لفظ "نطفة" بين كلمة "أحدكم" وكلمة "أربعين"، فلا سبيل فيها إلى إعادة اسم الإشارة الأول إلى الظرف الزماني؛ لأن النص في هذه الرواية واضح في دلالته على أن الذي يجمع أربعين يوماً هو النطفة، ولا يمكن أن يدخل في مفهومها العلقة والمضغة.


(١) فتح الباري: ١١/ ٤١٧.
(٢) فتح الباري: ١١/ ٤١٧.
(٣) فتح الباري: ١١/ ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>