للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - كل من تعرض لشرح حديث ابن مسعود من شراح الحديث لم يشكك في التوقيت الزمني الوارد فيه، ولم يتجاوز ظاهر النص فيما يتعلق بذلك قيد أنملة، سواء في ذلك من شرح صحيح البخاري ومن شرح صحيح مسلم. بل سبق أن طائفة من العلماء نقلوا الاتفاق على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد تمام الأربعة الأشهر من عمر الجنين ودخوله في الشهر الخامس.

٣ - ومن جهة أخرى فإن حديث ابن مسعود قد جاء متفقاً مع ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} . [سورة المؤمنون: الآيات ١٢ - ١٤] .

وذلك أن كثيراً من المفسرين وغيرهم نقلوا عن ابن عباس أن المقصود بالخلق الآخر نفخ الروح، ونقلوا مثل ذلك عن غيره من الصحابة والتابعين، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك، وإذا كان كذلك فإن نفخ الروح لا يكون إلا بعد تمام الخلق والتصوير بمقتضى نص القرآن الكريم. وهذا في اعتقادي مما يؤيده النظر في الآية على ضوء ما يعرف من تطور الجنين ونشوء عظامه، واكتسائها بالعضلات؛ وذلك أن الآية الكريمة تقرر أن الجنين في مرحلة من مراحله ينشاً خلقاً آخر، أو ينشاً له خلق آخر هو الروح كما يقول بعض المفسرين، وأن هذه المرحلة التي تتضمن المغايرة لما سبقها لا تكون إلا بعد خلق العظام وكسوتها باللحم بفترة؛ كما تدل عليه لفظة "ثم". ومن المعلوم أن ذلك لا يكون في الأيام الأربعين الأولى من عمر الجنين، وإنما يكون بعدها، ولا يحدث في يوم أو يومين أو أسبوع، فثبت بذلك أن نفخ الروح في الجنين بحسب نص القرآن لا يمكن أن يكون فور تمام الأسبوع السادس من عمر الجنين ولا بعد ذلك بأيام، وإنما ينبغي أن يكون بعد تكون العظام وكسوتها بالعضلات، وأن يكون بعد ذلك أيضاً بفترة تناسب اللفظة القرآنية المستعملة في العطف وهي لفظة "ثم" التي تقتصي التراخي.

<<  <  ج: ص:  >  >>