ويقول في موضع آخر تكلم فيه عن معنى الحياة والموت:(والمعنى المبحوث عنه هنا هو الحياة التابعة لتعلق الروح الإنساني بالبدن وأجزائه، وهي المعبر عنها في تعريف النفس بالضوء المنتشر في قول الإمام الرازي وغيره. والنفس عبارة عن جوهر مشرق روحاني إذا تعلق بالبدن حصل ضوء في جميع الأعضاء، فذلك الضوء المنتشر هو الحياة الإنسانية. فالحياة أمهر فائض عن تعلق الروح بالبدن منتشر في سائر أعضائه، وكل عضو يصل إليه نور الروح يتحول من الجمادية إلى الحياة، ففي النشأة الأولى إذا تكون وتم استعداده، وهو المراد بقوله تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} أنفذ الله فيه الروح الإلهي داخل أعضائه نفاذ النار في الفحم والماء في الورد فأحياه بعد موته، وذلك قوله تعالى:{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} ؛ فإن النفخ عبارة عن اشتعال نور الروح في الجسم بعد تسويته باستعداده، وذلك النور المنتشر في سائر الأعضاء هو الحياة الإنسانية)(١)
تلك هي أقوال العلماء المسلمين القدامى، وإنما استزدنا منها وأطنبنا في ذكرها لأن المسألة خطيرة يتوقف عليها معرفة حقيقة الإنسان وحقيقة الجنين ومعنى الحياة الإنسانية ومتى تبدأ ومتى تنتهي، وهي مفتاح الحل في البحث عن أحكام التصرف بالجنين في مختلف مراحله، سواء بالانتفاع بأعضائه أو بإجراء التجارب عليه أو غير ذلك كما أشرنا إليه في مقدمة هذا البحث.
وتلك المعاني التي حرصنا على نقل نصوص العلماء فيها متفق عليها بينهم، وأبرزها أن بدء الحياة الإنسانية يكون عند نفخ الروح في الجنين، وأن الروح هي سبب اكتسابه الهوية الآدمية، وأن الروح ليست هي الدماغ ولا صفة من صفاته ولا جزءاً من الجسد. ولم نشاً أن ننقل جميع أقوالهم في الروح؛ فإن لهم ما وراء ذلك الحد المتفق عليه تفصيلات كثيرة، وفيها كثير من الاختلاف، ولا تفيدنا في هذا المبحث. وفيما اتفقوا عليه كفاية لما نحن فيه.