للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول في موضع آخر: (نحن لا ننفي نوع الحياة التي يثبتها الأطباء للجنين قبل نفخ الروح، ولا ما يترتب عليها من نمو. وإنما نقول: إن هذه الحياة المنبثة في الجنين قبل نفخ الروح حياة طبيعية محضة تشبه حياة النبات، ليس لها ظاهرة سوى خاصة حركة النمو والتغير في كم البدن وكيفيته، وهي ما تسميه الحكماء حياة التغذية والتنمية والتوليد أو الحياة الطبيعية. وبعد نفخ الروح الإنساني في البدن وسريانها فيه يتحصل نوع آخر من الحياة تندمج فيه الحياة الطبيعية للجنين، بحيث يكون مصدراً لظاهرة الحس والحركة الإرادية، ومبدأ مصححاً للعلم بالفكر والروية وغير ذلك من الأثار اللائقة بنوع الإنسان، وهو ما يسمونه حياة الحس والحركة والعلم والتمييز. فالحياة الأولى حياة حيوانية مترتبة على أرواح وقوى طبيعية، والحياة الثانية حياة إنسانية مترتبة على ما ذكر وعلى الروح الإنساني ...

وأهل الطب والتشريح يستندون في كثير من مباحثهم إلى التجربة والمشاهدة والفكر. وأهل الشرع يتمسكون مع ذلك بصريح النقل. ومن هنا مع تباين الاصطلاحات قد يتوهم خلاف بين ما جاءت به الشريعة الغراء في هذا الباب ونحوه وبين ما يذكره أرباب الصناعة في ذلك. وفي الحقيقة لا خلاف، وإنما هو اختلاف في النظر ووجهة البحث (١) ولوعني أصحاب الصناعة الحديثة بما ورد به الشرع في هذا الباب وأمثاله وفهموه على وجهه، وما أثبتته النظريات الصحيحة والتجربة الكافية، وأعطوه جانباً من العناية والتصرف الفكري، كما كان عليه الأوائل من أرباب هذه الصناعة في كثير من مباحثهم كالشيخ الرئيس ابن سينا وصاحب التذكرة، لاتسع لهم نطاق العلم ومجال الفهم وخرجوا عن كثير من المضايق الفنية التي تعترضهم أثناء تطبيق العلم على العمل. ٠٠) (٢)


(١) وهذا صحيح ما دام كل فريق يتمسك بما توصل إليه وحصلة بوسائل معرفته، ولا ينفي ما أثبته الفريق الآخر مما لم يستطع أثباته ولا نفيه بتلك الوسائل؛ فإن ما يثبته الأطباء بتجاربهم وبحوثهم من وجود نوع من الحياة في الجنين قبل مائة وعشرين يوماً من عمره الجنيني لا يتناقض مع ما أثبته الشرع من نفخ الروح وبعث الحياة الإنسانية في الجنين عند ذلك الوقت، وإنما ينشأ الخلاف بعد ذلك عندما ينفي فريق من الأطباء ما أثبته الشرع أو يؤولونه بما يشبه نفيه وإنكاره حيث لا يرتبون أي أثر على نفخ الروح ولا يعترفون بحياة جديدة تبعثها في الجنين. كما ينشأ الخلاف أيضاً عندما ينفي بعض علماء الشريعة وجود أي نوع من الحياة في الجنين قبل نفخ الروح.
(٢) المطالب القدسية ص ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>