للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو الذي فهمه علماء المسلمين من تلك النصوص وأشباهها، فصرحوا في كتبهم أن الروح التي تنفخ في جسد الإنسان وهو جنين في بطن أمه هي ما تكون به حياة الإنسان، وما يكون مفارقتها لبدنه سبباً في وفاته، وأن الروح ذات مستقلة عن الجسد وإن كانت سارية فيه، وليست متولدة عنه ولا عرضاً من أعراضه، وإنما هي مبدعة بأمر الله تعالى، قال لها: كوني فكانت من غير تحصل من أصل ولا تولد من مادة (١) كما فهموا من تلك النصوص ونصوص نسبت إلى الروح التعارف والتناكر والحب والكره والاطمئنان والسرور وغير ذلك، فهموا منها أن الروح هي مصدر الشعور والفكر وجميع الأنشطة الإرادية التي تصدر عن الإنسان. وفيما يأتي نذكر بعض أقوالهم الواردة في هذا الموضوع:

ا - يقول ابن تيمية: (الروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت) . ثم استدل على هذه المقدمة ببعض ما ذكرنا من النصوص وزاد عليها (٢)

ويقول في موضع آخر: (النفس التي هي الروح المدبرة لبدن الإنسان هي من باب ما يقوم بنفسه، فهي جوهر وعين قائمة بنفسها، وليست من باب الأعراض التي هي صفات قائمة بغيرها ... وإنها يشار إليها وتصعد وتنزل وتخرج من البدن وتسل منه كما جاءت بذلك النصوص ودلت عليه الشواهد العقلية) (٣)

٢ - ويقول ابن قيم الجوزية: (الروح جسم مخالف لهذا الجسم المحسوس، وهو جنس نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيه سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكاً لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية. وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح. وهذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواه باطلة، وعليه دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة ... ) ، ثم ساق على قوله هذا مائة وستة عشر دليلاً من الكتاب والسنة والمعقول. وأجاب عن الأقوال الأخرى لبعض الطوائف والفلاسفة بعشرات الأجوبة (٤)


(١) رسالة العقل والروح من مجموعة الرسائل المنيرية ٢/ ١ ٢، ٣٧، ٤١ ٠ التفسير الكبير ٢١/٣٨، الكليات ٢/ ٣٧٤، المطالب القدسية ص ٢٨، ٢٩.
(٢) رسالة العقل والروح من مجموعة الرسائل المنيرية ٣٦/٢، ٣٧.
(٣) رسالة العقل والروح من مجموعة الرسائل المنيرية ٣٦/٢، ٣٧ ص ٤٧.
(٤) كتاب الروح ص ٢٤٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>