للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحديث الصحيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الروح إذ اقبض تبعه البصر)) (١) ؛ فهذا أيضاً وصف الرسول للروح بأنه يقبض. وفي الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن الشهداء أنهم لما سئلوا: ما تريدون؟ قالوا: نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل فيك مرة أخرى (٢) ؛ فانظر إلى مفهوم الحياة والقتل في هذا الخبر، وأن الحياة رد الروح إلى الجسد، وأن القتل إخراجها.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها. قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك. قال: ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض صل الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه ٠٠. (٣) فوصف أبو هريرة الروح بالخروج معبراً عن موت صاحبها. وتدبر قوله: (جسد كنت تعمرينه) ، فإنه تعبير واضح عن التصور الإسلامي لعلاقة الروح بالجسد، وأن الجسد مسكن الروح والروح تعمره بما تشيع فيه من الحياة.

وصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول إذا أراد النوم: ((باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسى فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ عبادك الصالحين)) (٤) ففسر الموت بإمساك الروح عن العود إلى الجسد.

والأحاديث التي ذكرت هذا المعنى كثيرة ومتفرقة في مواضع كثيرة من كتب الحديث، وهي متضافرة على ما ذكرنا من أن الموت إنما يكون بخروج الروح من الجسد.

فيدل على ما تقدم من النصوص وما في معناها أن الروح التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تنفخ في جسد الجنين بعد مائة وعشرين يوماً هي التي تكون بها حياة الإنسان، وهي التي يترتب على مفارقتها لجسده موته كما يدل على أنها جوهر مستقل، وليست جزءاً من بدنه ولا عرضاً من أعراضه، ولا صفة من صفاته؛ لأن الأعراض لا يمكن أن توصف بالدخول والخروج والقبض والأخذ والرد وغير ذلك مما ورد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.


(١) رواه مسلم - انظر مختصر صحيح مسلم حديث رقم ٤٥٦.
(٢) رواه مسلم - انظر مختصر صحيح مسلم حديث رقم ١٠٦٨.
(٣) رواه مسلم - انظر مختصر صحيح مسلم حديث رقم ٤٥٨.
(٤) رواه مسلم - انظر مختصر صحيح مسلم حديث رقم ١٩٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>