للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي القرآن ما يدل على أن الموت إنما يفع للإنسان بخروج نفسه، وهي روحه، عندما يأمر الله تعالى ملائكته بإخراجها، فقال عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [سورة الزمر: الآية ٤٢] ، والأنفس هي الأرواح (١) وقال أيضاً: {ولَوْ تَرَى إذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ والْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ} [سورة الأنعام: الآية ٩٣] ؛ فبين سبحانه في هذه الآية حال الظالمين وهم في غمرات الموت، وأن الملائكة يبسطون أيديهم لانتزاع أرواحهم (٢) وقال أيضاً: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سورة الواقعة: الآيات ٨٣ –٨٧] ، والمقصود بذلك الروح وهي في طريقها إلى الخروج من الجسد، فتخرج منه، ولا يستطيع أحد ردها إليه (٣) وقال سبحانه: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [سورة القيامة: الآية ٢٦] ، أي بلغت الروح التراقي (٤)

وفي السنة الصحيحة ما يؤكد ما دلت عليه نصوص القرآن من أن الموت يقع بخروج الروح من الجسد الذي نفخت فيه من قبل. وفي بعضها إشارة إلى أن دخول الروح في الجسد هو الذي يبعث فيه الحياة، وأن خروجها هو الذي ينقله من الحياة إلى الموت، ومن هذه الأحاديث:

- ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد،

فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، كأن على رؤوسنا الطير، وهو يلحد له، فقال: ((أعوذ بالله من عذاب القبر)) (ثلاث مرات) ، ثم قال: ((إن العبد إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه ملائكة كأن وجوههم الشمس، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقا، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها....)) ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح (٥) فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة، أخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها ... )) (٦)

وفي رواية أخرى عن البراء قال: كنا في جنازة رجل من الأنصار، ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إن المؤمن إذا احتضر أتاه ملك الموت في أحسن صورة وأطيبه ريحاً، فجلس عنده لقبض روحه ... فاستخرج ملك الموت روحه من جسده رشحاً ... )) (٧)


(١) تفسير الماوردي: ٣/ ٤٧٠.
(٢) تفسير الماوردي: ١/ ٥٤٥، مختصر تفسير ابن كثير: ١/ ٦٠٠.
(٣) تفسير القرطبي: ١٧/ ٢٣٠، ٢٣١.
(٤) تفسيرالقرطبي: ١٩/١١١.
(٥) أي ثياب من الشعر غليظة.
(٦) جزء من حديث طويل رواه أحمد وأبو داود ورجاله رجال الصحيح - مجمع الزوائد ٣/ ٥٠، الروح لابن القيم ص ٥٨، ٥٩، مختصر تفسير ابن كثير ٢٩٨/٢، شرح العقيدة الطحاوية ص ٣٨٧.
(٧) قال ابن القيم هذه الرواية والتي قبلها: هذا حديث ثابت مشهور مستفيض صححه جماعة من الحفاظ، ولا نعلم أحداً من أئمة الحديث طعن فيه، بل رووه في كتبهم وتلقوه بالقبول وجعلوه أصلاً من أصول الدين في عذاب القبر ونعيمه ومساءلة منكر ونكير وقبض الأرواح وصعودها إلى ما بين يدي الله تعالى ... الروح ص ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>