للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم وجدنا كتاب الله عز وجل يذكر الروح بأنها المخلوق الذي جعله الله سبباً لاكتساب أبي البشر آدميته، فاستحق بذلك التكريم، وتأهل به للعلم والإدراك اللذين هما مناط الابتلاء في هذه الدنيا فقال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [سورة الحجر: الآية ٢٩، سورة ص: الآية ٧٢] . ووجدنا فيه أيضاً ذكر الروح ينفخها في سلالة آدم بعد أن يسويهم في بطون أمهاتهم، قال سبحانه: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ ونَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ والأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [سورة السجدة: الآيات ٧ - ٩] . ووجدنا فيه ما يدل على أن الله تعالى بعد أن ينقل بدن الجنين من طور إلى طور، ينشئه بعد تمام أطواره الجسمانية خلقاً آخر مغايراً لما تقدم من أطواره، فيقول سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [سورة المؤمنون: الآيات ١٢ - ١٤] .

ويصلنا بعد ذلك بيان من ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم أن المقصود بهذا الخلق الآخر هو نفخ الروح (١) وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (إذا أتت على النطفة أربعة أشهر بعث الله إليه ملكاً فنفخ فيه الروح في ظلمات ثلاث، فذلك قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} ، يعني نفخنا فيه الروح) . ومثل ذلك روي عن أبي سعيد الخدري ومجاهد وعكرمة والشعبي والضحاك والحسن البصري (٢)

ومع أن تلك النصوص لم تذكر بصراحة أن الروح التي يأمر الله بخلقها في الجنين هي ما تكون بها حياة ابن آدم، لكن هذا مستفاد من نصوص قرآنية ونبوية أخرى.


(١) تفسير القرطبي: ١٢/ ١٠٩، تفسير الماوردي: ٣/ ٩٤، مختصر ابن كثير: ٢/ ٥٦١.
(٢) مختصر ابن كثير: ٥٦١/٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>