للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن ما تقدم من النظر العقلي والتقليب الفكري يدل على أنه يحدث للجنين قبل ولادته تطور ينقله من حال إلى حال مختلفة، ومن طبيعة إلى طبيعة مباينة، ومن حياة مجردة عن قوة الفكر والإرادة إلى حياة مشتملة على مصدر هذه القوة. وأن هذا التطور في الجنين لا يحدث إلا بعد تخلق الدماغ، وصيرورته صالحاً لاستقبال الحياة الجديدة والامتزاج بها. وأن هذه الحياة الجديدة ليست متولدة من الحياة السابقة لها بصورة آلية، لا من الدماغ ولا من غيره، وأنها إنما تنشاً بخلق مباشر من الله تعالى في بدن الجنين بعد استكمال خلق أعضائه. وأنها مادامت غير متولدة مما سبقها لم يلزم أن يكون وجود مصدرها بعد تمام تكون الدماغ مباشرة. وأن العقل بمفرده لا يستطيع أن يحدد الوقت الذي يخلق فيه ذلك المصدر بيقين.

تلك هي النتائج التي يمكن أن يتوصل إليها العقل البشري بالنظر في الواقع وفي معطيات العلم الحديث، بمعزل عن المعارف الشرعية التي يمكن أخذها من نصوص القرآن والسنة وأفهام الصحابة وعلماء المسلمين لتلك النصوص.

وهي نتائج ليست كلها قطعية ويقينية، والقطعي منها هو حدوث تطور في الجنين ينقله من حقيقة إلى حقيقة وحياة إلى حياة أعلى منها ومغايرة لها أشد المغايرة. وما سوى ذلك فقد يدخل عليه بعض الاحتمالات وهي وإن كانت ضعيفة لكنها تذهب القطع واليقين في الأمر.

وأما الشرع فقد جاء بما يقطع به العقل، وزاد عليه تفصيلات أدق وأوفى، وأسقط تلك الاحتمالات الضعيفة. ولولا أن المقصود بتلك المناقشات المنطقية هو الرد على أولئك الماديين الذين لا يؤمنون بالروح، ويزعمون أن الإنسان مادة فقط، وأن أنشطته المختلفة لا تعدو أن تكون إفرازات لما يبصره أهل الاختصاص من أجزاء الجسد، وأن الجنين لا يقع عليه أي تطور سوى التطور الذي يشاهده الأطباء وعلماء الأجنة، ولولا أن هذا الاتجاه المادي في بيان حقيقة الإنسان وتطوره قد ألقى ظلالاً مادية على بعض الباحثين المسلمين، فآمنوا بالروح إيماناً يقترب من إنكارها، بأن آمنوا بوجودها، وأنكروا كل أثر لها، لولا ذلك لما كان لذلك الجهد المضني في التفكير أية فائدة سوى ترويض العقل على النظر.

وذلك أن المتدبر لنصوص القرآن والسنة وما أثر عن الصحابة وعلماء المسلمين يستطيع أن يصل في هذا الموضوع إلى نتائج أكثر دقة وتفصيلاً وتحديداً بجهد أقل:

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا فيما تقدم ذكره من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الله يأمر بنفخ الروح في الجنين، وحدد موعد ذلك بأنه يكون بعد تمام أربعة أشهر من تكون الجنين في بطن أمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>