للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووردت أحاديث أخرى فيها بيان لبدء تصوير الجنين وتخليقه منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليه ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ... )) (١)

ولم يرد في النصوص الشرعية تفصيلات ما يحدث للجنين من تطور مادي سوى ما ذكر من الإشارة إليها في معرض التذكير بقدرة الله تعالى وقدره. ولكن هذا النوع من التطور لما كان موضعه ما يطرأ على خلايا الجنين من نمو وتكاثر وتشكل، وما يتبع ذلك من ظهور أعضاء وأجهزة وأعصاب وغير ذلك، فإن الوقوف على تفصيلاته أمر يقدر عليه الإنسان؛ لأنه مشاهد ومحسوس، وقد عرف منه العلماء المسلمون قدراً معتبراً، ووصفوه وصفاً جيداً (٢) وإن لم يصلوا في دقة الوصف إلى ما تحصل لأهل صنعة الطب المعاصرين.

وأما علماء الأجنة المعاصرون فقد استطاعوا بما اكتشف من الآلات والأجهزة الدقيقة أن يتابعوا التطور الجنيني المادي في معظم مراحله يوماً بيوم وأسبوعاً بأسبوع وشهراً بشهر.

وأما النوع الثاني من التطور الجنيني، وهو ما يحدث بإذن الرب جل وعلا من نفخ الروح في بدن الجنين، وما يكتسبه بذلك من شخصية جديدة هي حقيقة الشخصية الإنسانية، فإن ذلك لا يقع في اختصاص الأطباء وعلماء الأجنة، ولا يتوقع أن يتوصلوا إلى تحديد وقته بوسائلهم المادية ولا سبيل لهم إلى ذلك؛ لأن العنصر الجديد الذي يخلقه الله في الجنين ليس جسما مادياً ولا تناله الحواس مهما كانت الوسائل المعينة لها. وإنما السبيل إليه هو إخبار الذي خلقه عن طريق الوحي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يرد في ذلك ما ذكر من النص لظل مبدأ تعلقه بالبدن مطوياً في علم الغيب، ولكن الباري أوحى بذلك إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ونقل الرسول إلينا ما أوحي إليه وعلمنا أن الروح تنفخ في الجنين بعد مائة وعشرين يوماً من تكونه.


(١) رواه مسلم: انظر: مختصر صحيح مسلم حديث رقم ١٨٩٤.
(٢) انظر مثلاً: ما كتبه داود الأنطاكي في النزهة المبهجة ١٤٣/١ وما بعدها، والتبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص ٣٣٧، وجامع العلوم والحكم لابن رجب ص ٤٧. ١٨٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>