وذلك أن خاصية التعاقد بالمراسلة في ما بين غائبين هي - كما قدمنا - الفترة من الزمن التي تفصل ما بين صدور القبول والعلم به
وأضاف معلقًا على هذا قوله:
وهنالك أمر آخر يقع في التعاقد بالمراسلة وهو أن تبلغ أحد المتعاقدين إرادة الآخر على غير حقيقتها، فكثير ما يقع في المراسلات البرقية خطأ في نقل ما يريد المرسل تبليغه للمرسل إليه فيعتمد هذا على ما بلغه خطأ مثل ذلك أن يظن المشتري أن البائع يعرض عليه البيع بثمن هو دون الثمن الذي يرضى به ويكون هذا نتيجة لوقوع خطأ في البرقية التي أرسلها البائع للمشتري، فإذا قبل المشتري التعاقد فهل يتم العقد؟ العقد لا يتم إذا أخذنا بالإرادة الباطلة وهذا ما ذهب إليه القضاء في مصر.
وبعد أن أثبت مراجع لهذا الرأي قال:
ويتم العقد إذا أخذنا بالإرادة الظاهرة ولكن يرجع المتعاقد الذي أصابه ضرر بالتعويض على المسئول عن الخطأ الذي وقع.
قلت: حدوث هذا وارد الاحتمال في البرقيات لأنها تحول إلى إشارات ثم تترجم من تلك الإشارات لمن أرسلت إليه ويحتمل - لكن بصورة أقل - أن يحدث في الاتصال بوسيلة النقل الكتابية (التلكس - TELEX) ، لكن حدوثه في هذه الوسيلة يشاكل حدوثه في المراسلات الكتابية الخطية أو المطبعية وأي حكم يعتمد في حال حدوثه في هذه ينطبق على حدوثه في تلك. أما وسائل النقل اللاسلكي للوثائق بالتصوير وكذلك التعاقد بالهاتف فلا سبيل إلى احتمال مثل هذا الخطأ.
ثم استأنف السنهوري قائلا:
والحق أن التعاقد إذا تم بين غائبين تعذر الوقوف على وقت يعلم فيه المتعاقدان معًا بتلاقي الإرادتين فلا يمكن أن يعلم الموجب بصدر القبول بل يجب أيضًا أن يعلم القابل بهذا العلم. وهكذا. وهذا هو الدور وهو ممتنع بل إن تلاقي الإرادتين في التعاقد ما بين غائبين لا يمكن الجزم به فقد يعدل الموجب عن إيجابه ولا يصل هذا العدول إلى علم القابل إلا بعد وصول القبول إلى علم الموجب، وقد يعدل القابل عن قبوله ولا يصل هذا العدول إلى علم الموجب إلا بعد وصول القبول إلى علمه وفي الحالتين يتم العقد وفي الحالتين لم تتلاق الإرادتان.