للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلق على هذا بقوله:

وقد قيل: إن الوقوف عند وقت صدور القبول في التعاقد ما بين الغائبين يلقي الموجب في حيرة فهو لا يعلم متى تم العقد ولكن هذا القول مردود بأن الوقوف عند وقت العلم بالقبول هو أيضًا من شأنه أن يوقع القابل في حيرة، إذ هو لا يدري متى وصل القبول إلى علم الموجب فلا يعلم متى تم العقد، ونرى من ذلك أن اعتبار وقت صدور القبول من شأنه أن لا يطمئن الموجب واعتبار وقت العلم بالقبول من شأنه أن لا يطمئن القابل فلا ميزة لقول على آخر من حيث اطمئنان المتعاقدين.

قلت: ولكن هذا الاعتبار يكاد يمحي باستعمال وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية الحديثة غير البرقية إذ إن الفترة الفاصلة بين تلقي القابل الرسالة الكتابية بالتلكس (TELEX) أو بالتلفاكس (TELEFAX) الوثيقة مصورة لا يعدو بضع ثوان أو بضع دقائق على أبعد احتمال. أما الهاتف فلا يوجد فاصل زمني إطلاقًا وهذا ما يرجح بوسائل الاتصال الحديثة ٠ غير البرق – عن غيرها من وسائل التعاقد بين غائبين أو أكثر.

ثم استأنف السنهوري قائلا:

فليس يعنينا إذن في التعاقد ما بين الغائبين أن يعلم المتعاقدان معًا بتلاقي الإرادتين ولا بأن تتلاقى الإرادتان فعلا فإن هذا وذاك قد يتعذر تحققه كما قدمنا ولا يبقى أمامنا – وقد صدر القبول في وقت متقدم على الوقت الذي علم فيه الموجب بهذا القبول – إلا أن نختار بين الوقتين، وقت صدور القبول ووقت العلم به.

فإذا نحن وقفنا عند صدور القبول فعلينا أن نختار بين الوقت الذي أعلن فيه القابل قبوله – وهذا هو مذهب إعلان القبول (SYSTEME DE DECLARATION) – هذه هي مذاهب أربعة ولكل مذهب منها أنصار يقولون به.

[فقرة ١٢٣] :

أما أنصار مذهب إعلان القبول فيقولون: إن نظريتهم هي المنطبقة على القواعد العامة، فالعقد توافق إرادتين ومتى أعلن الطرف الآخر قبوله للإيجاب المعروض عليه فقد توافقت الإرادتان وتم العقد، هذا إلى أن المذهب يتفق مع مقتضيات الحياة التجارية من وجوب السرعة في التعامل.

ويؤخذ على هذا المذهب خروجه على القواعد العامة من ناحيتين، فليس من الضروري أن تكون الإرادتان متوافقتين بإعلان القبول إذ يجوز أن يعدل الموجب ولا يصل عدوله إلى القابل إلا بعد صدور القبول، كذلك ليس من الصحيح أن القبول ينتج أثره بمجرد صدوره فالقبول إرادة لا تنتج أثرها إلا من وقت العلم بها.

[فقرة ١٢٤] :

مذهب تصدير القبول: وأنصار هذا المذهب يتفقون في الواقع مع أنصار المذهب الأول فهم يكتفون بإعلان القبول ولكنهم يشترطون أن يكون هذا الإعلان نهائيًّا لا رجوع فيه ولا يكون ذلك إلا إذا كان من صدر عنه القبول قد بعث فعلا بقبوله إلى الموجب بحيث لا يملك أن يسترده بأن ألقاه في صندوق البريد أو سلمه لعامل البرق فبعث به أو أبلغه لرسول انطلق ليخبر به الموجب.

ويؤخذ على هذا المذهب أنه إذا كان مذهب القبول كافيًا لتمام العقد فليس من القانون ولا من المنطق أن يزيد التصدير أية قيمة قانونية على أن القبول المصدر يمكن استرداده كما تقضي بذلك لوائح البريد في كثير من البلاد، والكتاب في البريد ملك للمرسل حتى يتسلمه المرسل إليه.

[فقرة ١٢٥] :

مذهب تسليم القبول: وأنصار هذا المذهب يرون أن القبول لا يكون نهائيًّا بتصديره إذ يمكن استرداده وهو في الطريق وهو لا يكون نهائيًّا لا يسترد إلا إذا وصل إلى الموجب ففي هذا الوقت يتم العقد سواء علم الموجب أو لم يعلم على أن وصول القبول إلى الموجب قرينة على علم هذا به.

ومن ذلك نرى أن مذهب تسلم القبول يتذبذب بين مذهبي التصدير والعلم فهو بين أن يكون قد أخذ بمذهب التصدير مستأنيًا إذ لا يرى التصدير باتًّا حتى يصل القبول إلى الموجب وبين أن يكون قد أخذ بمذهب العلم متعجلا إذ يجعل وصول القبول قرينة على هذا العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>