ولو قبل شخص إيجابًا صدر من أصم وهما في مجلس واحد فلم يسمع الموجب القبول فكتبه له الطرف الآخر فإن معرفة الوقت الذي تم فيه العقد هل هو وقت صدور القبول أو وقت كتابة القبول للموجب؟ وتمكن هذا من قراءته تتبع فيه قواعد التعاقد ما بين غائبين.
قلت: وافتراض آخر لم يتصوره السنهوري – رحمه الله – ولا نقله عمن نقل عنهم الفرض السابق وهو أن يكون أحد الطرفين أعمى والآخر أصم فأوجب الأعمى وقبل الأصم، وطبيعي في هذه الحالة أن يكون جواب الأصم كتابة وعلم الأعمى بعد قراءة ما كتب الأصم، وإذا تصورنا أن كاتب الأعمى الذي يبصر به إذ هو الذي يقرأ له ويقوده غاب لحظتئذٍ عن المجلس لبضع ثوانٍ أو دقائق فإن فترة زمنية تمر قبل أن يعلم القبول.
ثم قال السهنوري:
فالعبرة إذن ليست باتحاد المجلس أو اختلافه بل يتخلل فترة من الزمن بين صدور القبول والعلم به.
ثم قال:
ومتى وضعنا المسألة على النحو الذي قدمناه تبين في الحال ماذا يترتب على هذا الوضع، فما دام هناك فترة من الزمن تفصل ما بين صدور القبول والعلم به وجب التساؤل إذن متى يتم العقد؟ أو وقت صدور القبول أم وقت العلم به؟ فإن تعين الوقت الذي يتم فيه العقد تعين أيضًا المكان الذي يتم فيه: يتم في المكان الذي يتم فيه الموجب إذ قلنا: إن العقد لا يتم إلا إذا علم الموجب بالقبول ويتم في المكان الذي يوجد فيه من صدر منه القبول إذا قلنا العقد يتم بمجرد صدور القبول.
فزمان العقد هو الذي يحدد مكانه وهذا هو الأصل وقد يختلف مكان العقد عن زمانه في بعض الفروض أهمها التعاقد بالتليفون فإنه لا يفصل زمن ما بين صدور القبول والعلم به كما رأينا فهو من ناحية الزمان بمثابة تعاقد ما بين حاضرين، أما من ناحية المكان فالمتعاقدان في جهتين مختلفتين فتجرى في تعيينه قواعد التعاقد ما بين غائبين.
ثم قال [فقرة ١٢٢] :
الفقه في البلاد التي ليس فيها تشريع يعين الزمان والمكان اللَّذَيْنِ يتم فيهما العقد – كما في فرنسا – وفي مصر في ظل القانون القديم – منقسم متشعب الرأي وذلك بالرغم من أهمية تعيين زمان العقد ومكانه على ما سنرى.